"الشورى" والميزانية
يصادف هذا العام بداية الدورة الخامسة لمجلس الشورى منذ أعيد تشكيله عام 1414هـ. ولست هنا بصدد الإشادة بإنجازات المجلس خلال دوراته الأربع الماضية فهي تتحدث عن نفسها. وقد توجت تلك الإنجازات بالثقة التي حظي بها المجلس من لـدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز , أطال الله عمره، عندما منحه صلاحيات واسعة، على رأسها حق المبادرة إلى اقتراح أنظمة جديدة وتعديل أنظمة قائمة بينما كان ذلك الإجراء في الماضي مقيداً بالموافقة المسبقة من الملك . كما أنه، حفظه الله، خصّ قرارات مجلس الشورى بمعاملة مميزة وثقلٍ عند الاختلاف مع مجلس الوزراء، إذ جعل الفصل في أي خلاف بين السلطتين بيده شخصياً .
لكن بالرغم من كل تلك الإنجازات والصلاحيات بقي موضوع مراجعة مشروع ميزانية الدولة من قبل مجلس الشورى أمراً مستعصياً وحلماً مؤجلاً من دورة إلى أخرى . ولعل من بين الأسباب التي أدت إلى ذلك الموقف عدم وضوح المنفعة أو الإضافة التي يمكن أن تحققها تلك المراجعة ولا سيما أن الكثير تخفى عليهم الآليات المستخدمة في إعداد مشروع الميزانية والجهود التي تبذلها وزارة المالية في تلك السبيل بالمشاركة مع الوزارات والمؤسسات المعنية ووزارة الاقتصاد والتخطيط. وربما من فضول القول أن نشير هنا إلى القدر الكبير من الوقت الذي ينفق في ذلك العمل على مدار العام ويتواصل في بعض الأحيان إلى الدقائق الأخيرة التي تسبق إعلان الميزانية.
لا شك أن هناك بعض الانتقادات التي تطرح بين الحين والآخر حول تفرد وزارة المالية بقرارات توزيع اعتمادات الميزانية وإن كانت هناك مشاركة من الجهات الحكومية الأخرى في تحديد أولوياتها بالإضافة إلى مراجعة الميزانية من قبل المجلس الاقتصادي الأعلى قبل إقرارها النهائي في مجلس الوزراء . غير أن تلك الانتقادات في معظمها لا تطرح في المقابل رؤية أو آلية بديلة لما هو قائم الآن، سوى اللهم الدعوة إلى دور لمجلس الشورى في تلك المراجعة أسوة بما كان يضطلع به المجلس في الماضي قبل إعادة تشكيله عام 1414هـ.
هناك منافع كثيرة يمكن الحديث عنها حول مشاركة المجلس في مراجعة مشروع الميزانية، لكن قد يكون من الأجدى في هذه المرحلة أن يطرح المجلس، كخطوة أولى، رؤيته لتطوير آليات إعداد الميزانية تأخذ في الحسبان معايير موضوعية لتوزيع الاعتمادات بما ينسجم مع أولوية الاحتياجات التي يتلمسها المجلس من المواطنين ومن تقارير الجهات الحكومية . تلك الخطوة قد تؤسس علاقة عمل تكاملية بين كل من مجلس الشورى وبين وزارة المالية يمكن تطويرها تدريجياً بشكل يتناسب مع الإمكانات اللوجستية المتاحة لكل من الطرفين . الشاهد أننا ننشد في النهاية منتجاً يجني ثماره جميع الأطراف وفي مقدمتها المواطن.