ابتسامة بمليون دولار
ما أثمن هذه الابتسامة..!! إنها تخص واحدا من أكبر الإداريين التنفيذيين أجرا في العشرينيات من القرن الماضي يدعى تشارلز شواب ... عُيِّنَ في عام 1921 كأول رئيس لشركة الحديد الأمريكية بأجر مقداره مليون دولار سنويا...لاحظ كبر حجم هذا المبلغ في ذلك الزمان، فهو يعادل عشرات أضعافه في زمننا هذا... لكن ما علاقة هذا الأجر بالابتسامة؟ يقول ديل كارنيجي في كتابه "كيف تؤثر على الآخرين وتكسب الأصدقاء"، إن شواب قال له في إحدى المقابلات: إن ابتسامته تساوي مليون دولار ويذكر المؤلف "إن شخصية شواب وجاذبيته وقدرته على جعل الناس يحبونه كانت في الغالب هي المسؤولة عن نجاحه المدهش، وكانت ابتسامته الأخاذة هي أحد العوامل الممتعة في شخصيته". لقد كان شواب يؤمن بأن لابتسامته التأثير الكبير في النجاح الذي كان يحققه لأنها تشعر مَن يعمل معه بالحب والتقدير، لذلك هو يقدر ابتسامته بما يعادل الأجر الذي كان يحصل عليه كنوع من الاعتراف بفضل أثرها السحري في إنجازاته. يا له من اعتراف جميل بفضل الخصال الحميدة على حياة البشر, ربما يكتشف الإنسان سر الابتسامة مصادفة من خلال الممارسة ودقة الملاحظة أو يكتسبها في الصغر محاكاة للوالدين في أسلوب تعاملهما مع الآخرين أو بالاطلاع, وأياً كانت الطريقة التي جعلت الإنسان يكتشف فائدة وأثر الابتسامة فيه وفي مَن حوله, فإنها لن ترقى إلى المنزلة التي تكون فيها جزءا من عقيدة يمارسها الإنسان احتسابا وطلبا للأجر من الله وليس لغرض دنيوي, فديننا الحنيف يدعونا لهذا السلوك الجميل كما جاء في الحديث الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم "تبسمك في وجه أخيك صدقة".
لكن ماذا عنا في هذه الأيام؟ أين هذه الابتسامة في وجوه المسؤولين صغيرهم وكبيرهم أين هي في وجوه الموظفين عندما يزور أحدنا الدوائر الحكومية أو حتى شركات القطاع الخاص، التي يفترض فيمن يعمل فيها أنه يعي جيدا أن ما يقبضه من أجر إنما هو من جيوب العملاء؟ لكن الواقع المشاهد أن الغالبية تقابل عملاءها بوجوه عابسة خالية من أي علامات للترحيب, وبالكاد يبتسم أحدهم عندما تخاطبه ببعض الكلمات الودودة، وربما يفاجئك عوضا عن ذلك بعبوس الوجه اعتقادا منه بأنك تحاول شراء مساعدته بهذه الملاطفة, فنحن على هذا الحال وغيرنا في دول سبقتنا في مجال العلوم والصناعة والاقتصاد يتعامل الناس مع بعضهم البعض بالابتسامات لاقتناعهم بأنها تخلق جوا من السعادة على كلا الطرفين ونحن بخلاء في ممارستها، وكأننا عندما نبتسم نمنح الطرف الآخر شيئا ثمينا لا ينبغي إلا لقريب أو عزيز، بينما الحقيقة تؤكد أن أول مَن يستفيد من الابتسامة هو الشخص نفسه، لكننا للأسف لم تعد الابتسامة جزءا من معاملاتنا تجاه بعضنا بعضا، كما يحثنا على ذلك ديننا الحنيف فالدين المعاملة. فكيف وصل بنا الحال إلى هذا الحد؟!! ما السبب يا ترى؟ هل المفاهيم الخاطئة التي ورثناها هي ما يجعلنا لا نمارس الابتسام في وجوه بعضنا البعض، مثل الهيبة التي يحاول بعض المسؤولين إضفاءها على شخصيتهم من خلال رسم علامات التجهم والعبوس على وجوههم عندما يطلون بها على مَن يعملون معهم؟ قد يقول قائل إنها ضغوط الحياة وصعوبة العيش في هذا الزمان، ولكن نقول لمن يحاول تبرير هذه السلوك لدينا، وهل ضغوط الحياة هي حالة نختص بها دون غيرنا من البشر, إن الناس في الدول الصناعية تعاني ضغوطا أشد وطأة، فالحياة تسيطر عليها الصبغة المادية البحتة، ومع ذلك فإنهم يمارسون المعاملة الحسنة بوجه طلق وفيه باسم، لأن الكثير منهم يؤمن بأن للابتسامة تأثيرا سحريا على العلاقة بين البشر، فهي تساعدهم على التواصل بطريقة أفضل وتمكنهم من إنجاز العمل بفعالية أكبر.
من اللافت للنظر أن النساء في مجتمعنا أكثر قدرة على بناء العلاقات الاجتماعية من الرجال، ويعود الفضل في ذلك إلى ممارسة الابتسام مع بعضهن البعض أكثر من الرجال، لأن الرجل في الثقافة الموروثة يجب أن يكون وقورا ذا هيبة فتبدو على قسمات وجهه الصرامة لكي ينتزع الاحترام عنوة من الآخرين، سواء كان ذلك في البيت أو السوق، في المدرسة أو الجامعة، في العمل أو المسجد، في كل مكان تجد الرجال نادرا ما يبتسمون لمن لا يعرفونهم، وللأسف فإنها ثقافة تتعارض مع الموروث الديني للمجتمع لكنها شائعة عند الرجال بدرجة أكبر، ويبدو أن مجتمع النساء لا يخضع لهذا الموروث أو أنهن قد تخلصن منه قبل مجتمع الرجال. إذاً هي الابتسامة يا معشر الرجال، فهل نستطيع أن نتخلص من الموروث الاجتماعي ونبدأ بالتبسم لبعضنا البعض في كل مكان نتواجد فيه، فربما يكتشف أحدنا يوما ما أن ابتسامته تساوي ملايين الريالات!
كاتب متخصص في الموارد البشرية