أهمية اللجنة الوطنية لرعاية المرضى النفسيين وأسرهم

بين فترة وأخرى تنشر الصحف عن حالات انتحار لأفراد في مراحل عمرية مختلفة وغالبا ينتهي الخبر بعبارات متكررة (وكان المنتحر يعاني مرضا نفسيا)، وأحيانا يذكر أنه كان يخضع لعلاج نفسي، ورغم أهمية معرفة أسباب الانتحار الحقيقية لوقاية الأفراد المعنيين منه, خصوصا في مجتمع مسلم يفترض أن أفراده يعلمون عقوبة مَن يتخلص من حياته. تكرار هذه الحالات والتي لا أعرف إن كان هناك أي دراسات علمية عن انتشار (الانتحار) في مجتمعنا أم لا؟
ولأن المعتاد أن تبرر هذه الحالات بالمرض النفسي على الأقل فيما ينشر في الصحف. فإن إنشاء لجنة وطنية لرعاية المرضى النفسيين وأسرهم التي صدر قرار مجلس الوزراء الأخير بالموافقة على إنشائها أرى أنها من أهم ما صدر من قرارات لرعاية هذه الفئة. خصوصا أن من أهدافها مساعدة المرضى النفسيين وأسرهم للحصول على الخدمات العلاجية والتأهيلية، وتعزيز برامج الصحة النفسية وتصحيح المفاهيم المتعلقة بذلك. وأن يكون الغرض الأساس لهذه اللجنة العناية بالمرضى النفسيين وأسرهم ويكون من بين مهماتها ما يلي:
1 – رسم السياسات الوطنية في مجال رعاية المرضى النفسيين وأسرهم.
2 – التنسيق والمتابعة مع الأجهزة المعنية فيما يتعلق بتنفيذ الخطط العلاجية والبرامج التأهيلية المرسومة لرعاية المرضى النفسيين وأسرهم لتحقيق الترابط والتكامل بين أعمالها.
3 – العمل على إجراء البحوث والدراسات المتعلقة بالصحة النفسية وسبل تعزيزها وطرق الوقاية من الأمراض النفسية.
4 – تشجيع إنشاء الدور الإيوائية المخصصة لرعاية المرضى النفسيين وتقديم الاستشارات الطبية والفنية المهنية.
5 – تعزيز برنامج الدعم الذاتي للمرضى النفسيين وأسرهم مالياً وفنياً والتنسيق مع الجهات المعنية في تنفيذ البرامج التأهيلية للمساعدة في عودة المريض ليصبح عضواً فاعلاً في المجتمع.
هذه المهام التي ستقوم بها هذه اللجنة إذا ما تمت وفق ما خطط لها، فإن مشكلات عديدة يعانيها هؤلاء المرضى وأهلهم ستخف، فالتوعية بالأمراض النفسية والعقلية بين الجمهور أمر محوري، إذ إن الجهل بهذه الأمراض يكاد يكون هو السائد حتى عند الأغلبية خصوصا من قبل الأفراد الأقل نعيما أو وعيا بهذه الأمراض, فهناك الخلط بين هذه الأمراض وما يقوم به بعض مَن يقال عنهم معالجين شعبيين الذين قد يُلحقون ضرراً بالمريض ولا يُقدمون أي علاج، بل ربما يتسببون في تفاقم هذا المرض. وسبق أن ذكر الدكتور شيخ إدريس أستاذ الطب النفسي في جامعة الملك فيصل في كلية الطب خلال ندوة طبية شرعية نظمتها اللجنة الطبية الإسلامية التابعة للندوة العالمية للشباب الإسلامي في الظهران بعنوان (الشعوذة بين الطب والشرع): (أن المعالج الشرعي يستقبل يوميا 500 مريض نفسي، في حين أن العيادة النفسية لا يصل عدد مراجعيها نصف عدد مراجعي المعالج الشرعي، وعلل هذا التوجه إلى النظرة الاجتماعية القاصرة في المجتمع تجاه الطبيب النفسي، حيث يعتقد كثيرون أن العيادات النفسية تعد بمثابة الملجأ للمختلين عقليا، وأن الأدوية والوصفات الطبية للعلاج النفسي يعتقد البعض أنها تحتوي على نسبة عالية من المخدرات، ما يزيد من تدهور حالة المرضى).
ما أعتقده أن الثقة في المعالجين الشعبيين - لا فرق لدى المريض النفسي حينها بين من هو معالج حقيقي، ومن هو دخيل على هذا العلاج ممن يفتقد التأهيل الشرعي والصلاح والتقوى - في جزء منها لعدم الثقة في العلاج النفسي، خصوصا أن هناك بعض الأطباء النفسيين مَن يتاجر بهذه الشرائح. خصوصا في بعض المستشفيات الخاصة. فيميلون إلى استخدام العقاقير بكميات كبيرة وربما في حالات لا تتطلب ذلك النوع من العقاقير، وكما قد يسيء المعالج الشعبي، فإن بعض هؤلاء الأطباء النفسيين يقوم بالدور نفسه. وبحكم عملي في جامعة الملك عبد العزيز، وأيضا استقبالي عددا من الطالبات في مركز الاستشارات الاجتماعية والنفسية في الجامعة، فنجد حالات من هذا النوع ويكون السبب مراجعة هذه الطالبة مستشفى خاصا فيزيد من معاناتها، ما يتطلب وقتا أطول لعلاجها من هذا العلاج.
ولقد دعا الدكتور إدريس في تلك الندوة إلى ضرورة وجود المعالج الشرعي المتخصص ضمن الفريق الطبي المعالج, ولا يلتحق بالفريق الطبي في العيادات النفسية إلا بعد أن تمنحه وزارة الصحة رخصة لممارسة العلاج الشرعي في العيادات النفسية, بعد توافر عدة شروط، أهمها تخصصه في الدراسات الإسلامية، وأن يمضي على عمله كمتدرب عامان ليتم منحه ترخيصا رسميا، ما ينظم عملية أدائه لمثل هذا العمل, مشيرا إلى أن وجود المعالج الشرعي في الفريق الطبي بالعيادات النفسية يكمل الخطة العلاجية التي تهدف إلى سلامة المرضى.
أيضا أرى أنه مهم أن تتولى هذه اللجنة التي صدر قرار مجلس الوزراء بإنشائها وسيرأسها وزير الصحة أن تكون هناك مراقبة على مستوى أداء بعض الأطباء النفسيين في معظم المستشفيات الخاصة, ومحاسبتهم على أخطائهم في علاج هؤلاء المرضى النفسيين.
أما كيف سيتحقق توفير الصحة النفسية لأفراد المجتمع، فتلك استراتيجية أكبر لأنها ترتبط بأساليب تحقيق العدالة ومحاصرة وسائل الظلم في أي موقع, ومن يقرأ ما كتبه أحد القراء تعليقا على مقالة تناقش زيادة أعداد المرضى النفسيين في مجتمعنا ربما سيجد أحد أسباب هذه الأمراض إذ يقول: (أنا أحد المصابين بالتوتر العصبي وأراجع استشاريا نفسيا وأخضع للعلاج. وإليكم بعض الأسباب وهي: 1 - تعرضت للظلم في عملي على يد مدير المدرسة، حيث إنني أعمل بجدية ولم أغب طوال خدمة 20 سنة إلا ثلاثة أيام بعذر، والحمد لله، حيث إنني أحضر إلى عملي ما لم أكن طريح الفراش. ولأن المدير يعتبر المُجدّ مسكينا يخاف النظام، والحقيقة هي الخوف من الله وعقابه. أصبح المدير يمارس الضغوط لتنفيذ رغباته وهي (منعي من الاستئذان. وحث الزملاء على عدم التوكيل عني. والمطالبة بترفيع جميع التلاميذ. وخدمته في الأغراض الشخصية. والحث على كرهي ويرمي إليّ التهم الباطلة وكل عمل شيطاني ينسب إلي وهكذا...........) حتى كرهته وفضلت الموت على الحياة. بينما بقية الموظفين لا يحاسبون على التأخر ولا الغياب ويخفف عنهم أعباء العمل والاستئذان بالتلفون فقط، حيث يراهم القدوة لأنهم يشترون له جميع ما يحتاج لمنزله)!! كم عدد الحالات المشابهة؟؟ والتي نجدها تتردد سواء في مواقع العمل أو داخل جدران المنازل؟؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي