التلوث البيئي في جدة .. إلى متى؟
مخاطر التلوث البيئي لا تحتاج إلى دلائل وبراهين والمنطقة الخليجية على وجه الخصوص سبق أن حذر خبراء ومتخصصون ومؤسسات دولية من الكارثة البيئية الخطيرة المستعصي إصلاحها فيها الناتجة عن الأدوات والوسائل الحربية التي يحرمها القانون البيئي الدولي والمستخدمة في حرب الخليج من جانب قوات التحالف التي أدت إلى دمار بيئي كبير، مثل حرق وتدمير آبار النفط واستخدام الذخائر التي تحتوي على اليورانيوم المخصب، التي تؤدي إلى انتشار غبار إشعاعي يلوث التربة والهواء، ويشكل تهديداً إشعاعياً خطيراً على صحة الإنسان والبيئة. وكذلك القصف المتعمد للسدود، ومصانع الطاقة النووية، وغيرها من المرافق التي تحتوي على مواد خطرة، التي يمكن أن تتسرب نتيجة القصف.
وكما نشر في دراسة الدكتور فهد عبد الكريم علي تركستاني أستاذ الكيمياء المشارك والمحكم البيئي في مجلس التعاون الخليجي عن التلوث البيئي وتأثيره في أهل المدن الصناعية في المملكة مدينة الجبيل والقريبة من مدن التكرير والصناعة كصفوي وابقيق ومدينة العيون الذي يسبب عديدا من المشكلات الصحية للقاطنين في هذه المدن. ومن أمثلة الأمراض التي انتشرت عنه: أمراض السرطان، وأمراض الرئة والربو، وأمراض سرطان الدم، وأمراض العيون، والأمراض الجلدية، والأنف والأذن والحنجرة.. ناهيك عن الأضرار التي تسببها مثل هذه الأدخنة على المناطق الزراعية والبحرية والثروة السمكية والحقول المحيطة بالمدينة.
وذكرت عالية الرويلي مشرفة الأدوية والعقاقير في مستشفى المملكة في الرياض، أن السعودية تستقبل سنوياً 3100 حالة لأمراض السرطان، مشيرةً إلى أنه على مدى الـ 14 عاماً الماضية بلغ عدد المصابين بأمراض السرطان المختلفة نحو 20 ألف شخص. وأضافت أن المنطقة الشرقية تستقبل نحو 500 حالة سنوية فيما تصل إلى جدة نحو 600 حالة سنوية ومدينة الرياض نحو ألفي حالة سنويا، وأن تكاليف علاج بعض تلك الأمراض تصل أحياناً إلى نحو عشرة آلاف ريال (2.66 ألف دولار) في الشهر، وذلك لاستخدام المواد الكيميائية للمعالجة. وأوضحت الرويلي أنه بعد حرب الخليج الثانية ازدادت نسبة الإصابة بمرض سرطان الدم والمثانة والرحم بشكل ملحوظ، الأمر الذي يتطلب سرعة إيجاد الحلول المناسبة للحد من انتشار هذا المرض الذي يمثل تهديداً للمجتمع السعودي، وأوضحت أن نسبة الإصابة أصبحت تزداد سنوياً عن مثيلاتها في الأعوام الماضية.
ومن مدن المملكة نجد أن جدة أصبحت من المدن التي ترتفع فيها نسبة التلوث البيئي. وفق النتائج التي توصلت إليها الأجهزة التي تم تركيبها من قبل الأمانة في جدة في عدد من المواقع بعد التعاقد مع شركات ماليزية متخصصة. والخاصة بقياس التلوث البيئي والمائي بجدة ووضحت خطورة الوضع البيئي على المواطنين. وقال وكيل أمين محافظة جدة لوكالة الخدمات المهندس خالد عقيل حينها إن نتائج الدراسات والقراءات للمراصد البيئية التي تم تشغيلها سجلت وجود تلوث غير متوقع فيما يتعلق بتلوث الهواء أو التلوث البيئي بشكل عام.
وأكد خطورة هذه المشكلة وكيل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة للشؤون البيئية الدكتور أحمد عاشور وأن تأثيره في صحة الناس يزداد يوما بعد يوما موضحا أن دور الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة هو المراقبة والإشراف وليس لديها السلطة لمنع مثل هذه المخالفات التي تقوم بها بعض الإدارات الحكومية.!!
وذكر أنه تم في السابق رصد التلوث الهوائي في جدة حيث اتضح أنه ناتج عن أدخنة التحلية وعوادم السيارات والمدن الصناعية وحرائق النفايات التي تقوم بها الأمانة، كما أن التلوث المائي والبحري ناتج عن الصرف الصحي وعن مرادم النفايات التابعة للأمانة.
ولخطورة هذا الوضع عقد في جدة منذ عام منتدى جدة البيئي الأول الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية في جدة، بإشراف الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، واستمر ثلاثة أيام تحت شعار: "حماية البيئة إصلاح وتأهيل" وبمشاركة ما يقارب من 56 شخصية سعودية وعالمية بارزة في مجال البيئة، ونشر عنه أن من اهتماماته قضية التنمية المستدامة وتطويرها، دور البرامج التوعوية في تعزيز مفهومها، الصناعة النظيفة والقرية الصناعية، الإدارة البيئية المتكاملة، التدوير وإعادة تصنيع المخلفات، الرقابة البيئية والأيزو 14000، وعن أزمة المياه وعملية استنزاف المياه الجوفية وتلوثها، الاستخدام الجائر للمياه الجوفية في الزراعة والصناعة، تسرب الملوثات إلى المياه الجوفية من الأنشطة الزراعية والصناعية، مياه الصرف وإعادتها للاستخدامات الزراعية والصناعية، تلوث البحار والشواطئ بمياه الصرف الصحي والصناعي، آثار التلوث في الكائنات البحرية، تلوث السلسلة الغذائية، السياحة وتلوث الشواطئ. وكانت هناك مجموعة أوراق عمل عن التغير المناخي وظاهرة الانحباس الحراري طبيعتها وأسبابها، والجهود المبذولة للتصدي للظاهرة، الطاقة النظيفة، الوقود الحيوي، الطاقة المتجددة، وسيكون المحور الرابع والأخير بعنوان التعايش مع البيئة.
هذه القضايا محورية وكانت هناك توصيات ولا أعلم إن كان قد بدأ تفعيلها أم ليس بعد؟؟ لأننا قرأنا في شهر المحرم 1430 هـ أن أمانة جدة عقدت اجتماعا تنسيقيا بين عدد من الجهات الحكومية المعنية لمناقشة الظروف البيئية غير الملائمة التي تواجه مدينة جدة وما تنطوي عليه من مخاطر صحية على المواطنين تمهيدا لعقد ورشة عمل تتناول مختلف قضايا الإصحاح البيئي وأثرها في صحة المواطن شاركت في ذلك الاجتماع مختلف الجهات الحكومية من وزارة الزراعة و الشؤون الصحية، وزارة التجارة والصناعة، و شركة المياه الوطنية، هيئة الغذاء والدواء، والشرطة لمواجهة جميع الأزمات خاصة فيما يتعلق بالتسمم الغذائي .وأوضح المهندس خالد عقيل أن المجتمعين تطرقوا إلى عدة نقاط أهمها بحث المحاور التي حددتها الأمانة لورشة عمل سيشارك فيها عديد من الجهات ذات العلاقة بموضوع التلوث في جدة، ومنها مخاطر التسمم الغذائي ومصادر مياه الشرب سواء كانت محطات التحلية أو آبار وشبكات نقل المياه والخزانات العمومية أو الخاصة بالأهالي، موضحا أن هناك عددا من الإجراءات التي سيتم اتخاذها في هذا الِشأن لحصر المشكلات البيئية الحالية في مدينة جدة وتحديد أوجه القصور لدى الجهات المعنية ومن ثم متابعة ما سيتم تحديده من احتياطات وإجراءات وقائية لحماية الإنسان والمكان. هل هذا الاجتماع التنسيقي هو تنفيذ للتوصيات لذلك المؤتمر؟؟
نعلم حرص كل مسؤول على إيجاد حلول لهذا التلوث البيئي الذي تعانيه مدينة جدة والذي أصبحنا نجد آثاره في صحة الأفراد فقد نفجع بأمراض خطيرة تصيب الأطفال والشباب والكبار من نتائج هذا التلوث الذي لا يتوقف عند تلوث الهواء فقط بل يضاف إليه ما ينشر يوميا من مخاطر المأكولات السريعة وما تحتويه من محسنات للطعام تسبب الأورام، ولا ننسى موضوع المبيدات الحشرية التي تسببت بقتل الأطفال وكانت تباع في الدكاكين المنتشرة في الأحياء قبل منع بيعها، ومن يتابع مقالات الدكتور أسعد أبو رزيزة الأكاديمي والباحث البيئي في جريدة "الوطن" سيجد صفحات كارثية من التلوث الذي نعيش في ثناياه يوميا. والذي يتطلب جهودا استثنائية من الجميع.