ماذا بعد الضوابط؟

أصدر مجلس الوزراء السعودي أخيراً قراره حول الضوابط المتعلقة ببيع الوحدات العقارية على المخططات، هذه الضوابط التي انتظرتها السوق العقارية طويلا، التي ستؤدي لا محالة إلى بث الاطمئنان من تكرار ما شهدته السوق على مر تاريخها من ممارسات سيئة تهدف إلى استنزاف موارد المواطنين في مشاريع وهمية. والحقيقة، أن إقرار هذه الضوابط سيشكل رافدا مهما من روافد دعم السوق العقاري، وداعما لتأسيس أرضية صلبة لحل مشكلة الإسكان، ولكن..
الحقيقة الأخرى هي أن سوق العقار تتسم بالعموم بفكر المضاربة وليس التطوير، ويلعب فيه أساطين العقار دورا رئيسيا في توجيه دفته. والمشكلة، هي أن هؤلاء العقاريين دأبوا على ممارسة نشاطهم وفق مفاهيم تقليدية وراسخة تجاوزها الزمن، هذه المفاهيم التي جعلت كثيرا من القرارات والضوابط التي صدرت في الآونة الأخيرة حبرا على ورق، وأفقدتها الأثر المأمول في تحريك سوق العقار، وتحريك المياه الآسنة في نشاط التطوير العقاري المحترف. وأصبحت مثل تلك القرارات والضوابط في النتيجة مكبلة للسوق العقاري، ليس لعيب فيها، ولكن نتيجة للرفض المبطن من هوامير العقار لمثل هذا التنظيم الذي يتعارض مع المفاهيم التقليدية التي يتبعونها. وعلى سبيل المثال، فنحن نعلم مدى استجابة السوق العقاري للتنظيمات الصادرة بشأن المساهمات العقارية، أو لتنظيمات الصناديق العقارية. فلم نشهد منذ إصدار تلك التنظيمات أية مساهمات وفق النظام الجديد، أو تفعيلا حقيقيا لوسائل التمويل التي أسست لها تنظيمات الصناديق العقارية، سوى عدد محدود من الصناديق التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. وفي النتيجة، لم تؤد تلك التنظيمات إلى تحقيق أثر حقيقي في سوق العقار، أو تحريك المياه الآسنة في نشاط التطوير العقاري. وقد كنا على الدوام نشهد في مجالس العقاريين ومحافلهم تحفظا على ما فرضته تلك التنظيمات من ضوابط يرون أنها كبلت أنشطتهم التقليدية، في الوقت الذي كان الغرض من تلك الضوابط حماية السوق من ضعاف النفوس الذين دأبوا على إهدار أموال المساهمين واستثماراتهم. والسؤال هنا، هل يتجاوز قبول هوامير العقار هذه التنظيمات ما شهدناه من إشادة إعلامية على صفحات الجرائد والصحف إلى تطبيق عملي لها على أرض الواقع يكون مؤشره حركة حقيقية في نشاط التطوير العقاري، أم أنها ستكون ذريعة جديدة لكبت هذا النشاط وتعطيل الحلول التي يتعطش لها المواطن؟ لن أستبق الحكم على النتيجة، ولكنني آمل أن أكون مخطئا في مخاوفي، وأن نشهد حركة حقيقية في السوق العقاري، وتفعيلا حقيقيا لتلك التنظيمات والضوابط.
المحرك الأهم في هذه الدورة ما زال مفقودا، الهيئة العليا للعقار التي نادى بتأسيسها كل من له علاقة بسوق العقار. أؤمن جازما أن أية تنظيمات أو ضوابط تتعلق بالسوق العقاري لن يكون لها أثر حقيقي دون وجود كيان متخصص يراقب تطبيقها على أرض الواقع. وسيبقى سوق العقار عرضة لأهواء أطرافه ومصالحهم، والضحية في النهاية هو المواطن الذي يبحث عن سكن، أو المستثمر البسيط الذي يبحث عن قناة آمنة فتعصف بها رياح المطامع. القرار الأخير أسس لجنة من وزارة التجارة والصناعة ووزارة الشؤون البلدية والقروية ومؤسسة النقد العربي السعودي والهيئة العامة للإسكان لوضع الأسس لتنظيم نشاط التطوير العقاري. والسؤال هنا، ماذا عملت هذه الأجهزة فيما مضى، وما الآلية التي ستضمن نجاح عمل هذه اللجنة عوضا عن سابقاتها من اللجان التي ظلت تراوح مكانها دون نتائج ملموسة؟ إن حجم السوق العقاري وحجم مشكلاته يتطلبان بالضرورة نظرة موضوعية وخطوة جادة لتأسيس هذا الكيان المفقود. المطلوب ليس فقط وضع الأسس وصياغة التنظيمات، ولكن الأمر يتطلب إدارة مستديمة للسوق العقاري من كافة جوانبه، فلا جدوى للتنظيمات دون رقابة، ولا جدوى للرقابة دون سلطة. وبمنظور إيجابي، أتطلع إلى أن تكون هذه اللجنة نواة للهيئة المأمولة، عسى أن يلمس أعضاء هذه اللجنة حجم المشكلة، وينقلون إلى متخذ القرار قناعة السوق بمدى الحاجة إلى تلك الهيئة، وتصبح حقيقة واقعة في يوم من الأيام.

الرئيس التنفيذي
شركة تحالف للتنمية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي