القراءة حتى لذة الفهم!!
الكثير يسألني عن القراءة والكتب، وأجدني هنا أركز على خمسة قوانين معرفية، أولها أن مغيرات التاريخ هي كتب الوحي، فهي روح العالم، من القرآن والإنجيل والزبور والتوراة، وكلم الله موسى تكليما، فهي وحي الله وكلماته...كما أشار إلى ذلك القرآن.
وكذلك أوحينا لك روحا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور.
وأول شيء في القراءة تدبر القرآن، بل لو كتبت العزلة لأحد لاكتفى بكتاب واحد فقط هو الكتاب الحكيم والسبع المثاني من القرآن العظيم.
وكذلك فإن الكتب الضخمة في التاريخ الإنساني تبقى مراجع للهداية والاستئناس، مثل كتاب إقليدس الهندسي، أو لوغاريتم الرياضيات، والستوماشيون لأرخميدس، وقاموس الفلسفة، والفهارس والمعاجم ومفردات القرآن الكريم.
وما أريد أن ندفع القارئ للاتهام المعرفي لنمو الدماغ وترشيد الثقافة من ينابيع للمعرفة لا تنتهي، من كل بستان زهرة ومن كل حقل فكرة.
والقانون الثاني يقول إن عتيق الكتاب قد يكون كنزا معرفيا لا يقدر بثمن؟
كما بيعت مخطوطة أرخميدس التي ظهرت للسطح بعد ألفي سنة بالمزاد العلني بمبلغ 2.2 مليون دولار اشتراها ملياردير الأمازون في الإنترنت جيفري بيزوس.
وعفوا من المظاهر العتيقة لبعض الكتب، وأنا شخصيا أنحت في هذه الكتب نحتا وأشتغل عليها عشرات الساعات كما لو أستعد فيها للامتحان، وهذا هو طريق من أراد أن يبني نفسه معرفيا؛ فمازلت أعيد النظر فيها والاستفادة لعشرات السنوات، في قراءة أكثر من عشرين مرة لبعض الكتب مثل تجديد التفكير الديني لمحمد إقبال والعلم في منظوره الجديد لروبرت أوغروس.
وهناك كتب تندم على قراءتها، وكتب لا تود الرجوع لها مطلقا، وكتب منحولة، وأخر مسروقة قد رصع البعض عليها أسماءهم، كما سرقت بعض كتبي وعديد من مقالاتي بماوس وكبسة كي بورد، أو كتب تمل فلا تباع، أو كتاب يخطفك، فلا تعود تسمع طنين البعوضة وفرقعة عجلات القطار، فتغرق وتغرق وتلتهم مئات الصفحات في ساعات قليلة، وهي فضيلة من تمرن على القراءة السريعة، وتبقى الكتابة وحيا وفنا مثل الشعر وأعذب.
والقانون الثالث هو قانون القلم وما يسطرون؟
فيجب استخدام القلم مع الكتاب، وحصد أفكار جيدة حاول أن تغرسها مع أرقام صفحاتها في أولى صفحات الكتاب الفارغة، وبذلك ترجع لها دوما فهي أفكارك التي تستفيد منها دوما.
أما العبقرية وسنوات النضج فهي ثماني حجج كما حصل مع خدمة موسى في بني مدين، فإن أتم عشرا، فمن عنده مع مائة ألف وحدة معرفية؟
يحتاج المرء حتى ينضج إلى ثماني حجج؛ فإن أتم عشرا فمن عنده، وما أريد أن أشق عليه، ولكن بجهد متتابع دون انقطاع، وبجمع ما لا يقل عن مائة ألف وحدة معرفية، وفيها يصل إلى النضج المعرفي ويمكن له أن يكتب بعد أن يكون قد قرأ حوالي ألف كتاب، أو كما طرحتها أنا في أكاديمية العلم والسلم الإلكترونية لتلامذتي حوالي 300 كتاب في عشر سنين بمعدل ثلاثين كتابا من ذخائر الفكر الإنساني. وهو من هذا العلم على غرر فليحذر من الأمراض الثلاثة: الغرور والكسل والاجترار.
ويبقى في الأخير قانون سبينوزا: القراءة حتى لذة الفهم!!
يجب أن تقرأ كما يقول سبينوزا حتى تصل إلى لذة الفهم وهي عند الصوفية تلك الحالة الروحية من المتعة التي يشعر بها عباده المؤمنون من إبصار الحقيقة والاقتراب من نور الهداية؛ فينشرح الصدر فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله.