أسئلة القراء؟

سألتني الأخت عائشة: متى تكتب يا دكتور؟ وهل لك مواعيد معينة ؟ أو طقوس للكتابة؟ وهل أنت من يطبع حروفك أم هناك من يساعدك في الطباعة؟
وجوابي أنني أكتب الليل والنهار لا أفتر، ومقالتي الأخيرة عن (المستقبل الذي ينتظرنا) انتهيت منها مع السحر قبل صلاة الفجر، وهو ما يمنحني الطاقة ويشحنني بالأفكار.
أكتب ما فتح الله علي من أفكار، وأصوم عن العالم، فلا أفطر إلا على مقالة وبحث، وأتمنى من الرب أن يعطيني العمر مضاعفا، والجهد طاقة لا تنفد، فالوقت لا يكفيني.
وأحيانا أفاوض من حولي لو أعطوني من وقتهم ولو بالمال، فالعلم كما يقولون؛ يحتاج إلى عمر نوح وصبر أيوب ومال قارون، والأخيرة تعدلت مع الإنترنت؛ فيمكن للمرء أن يطلع على ما كان فلاسفة اليونان يشتهونه ولم يروه.
أنا أكتب كل شيء من المقالات والردود الشخصية، بما فيها سؤال السائلة التي تريد أن تتعرف على أسرار مهنتنا، والموضوع ليس فيه أسرار، بل دأب وحبس نفس، واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، واتبع هواه وكان أمره فرطا.
وأكتب أحيانا مثل المجنون؟ فأستيقظ من فراشي، وأخط كلمة وكلمتين، ثم أضغط على نفسي وأقول؛ إن بقيت خالص هكذا تكتب كل بضعة دقائق فلن تنام؟ وأنا رجل أنام جيدا وطويلا ومتكررا، ولكن بقية النهار شغل وإنتاج ونشاط وهمة فلا أصدق أنني نمت؟ وللنوم سلطان؟
وأحيانا يهجم علي سانح من الخواطر وفيض من القدير وأنا أسوق السيارة، فأمد يدي عند المواقف والإشارات الحمراء إلى أوراق وأقلام، تزدحم في كل مكان حولي، فلا أملّ الانتظار، وأخط بأقلام من ألوان، تخضع لهم أوراق زاهيات جميلات صديقات بارات لا يفارقنني ولا يبرحن؛ فأكتب فكرة أو فكرتين، وابنتي مريم تترجاني أن أركز على الشارع؟ فأطمئنها أن لا خوف علينا ولا هم يحزنون؟.
ولكن وابل الفكر لا يأتي في كل لحظة، وأحيانا لا أجد ورقا فتسعفني ظهور المكاتيب والأغلفة، وكثير من الأبحاث كتبتها على ورق يلقى ويهمل؛ فأحتفظ به كأعز ذاكرة، وأنا رجل لا ألقي ورقة كتبت عليها شيئا من خط يدي، وأجمعها في مجلدات ثخينات، زادت عن عشرة حتى الآن من مخطوطات اليد؟
وأحيانا يأتيني ضرب من الوحي الخفي؛ فأقول بركاتك يا رب رحماك، امنحنا وافتح أمام أعيننا أسرار الوجود، فنحن رحالة في الزمن الصامت المتدفق اللانهائي، والفضاء المتسع الذي لا يتوقف عن الاتساع.
نحن صور باهتة تمحى من صفحة جدول رقراق، يمشي بسرعة، فلا يبق أحد، ولا تكف أمواجه عن التكسر، ومعه تتكسر أعمارنا وتنقضي، وندلف إلى رقدة العدم والبلى، وتمحو محاسن تلك الصور. والوزن يومئذ القسط، ويتكرر حزني على موت ليلى، حبيبة القلب، تلك المرأة التي خطفها الموت، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام مات فليس من خلود لبشر، وكذلك نحن، وكذلك تبعثون فلا حزن وفراق.
والتصوير هو الطريقة الوحيدة لحبس الزمن الميت؟ فأقول تزود خالص لكل لحظة فقد مضت ولن تعود. وأفضل أوقات الكتابة مع فنجان قهوة وصباحا، أو مساء حين ينام الناس فلا أنام، وبين الحين والآخر آخذ استراحة فأروض عضلاتي، أكتافي حتى لاتتيبس من الانحناء، وأجلس لأفراد عائلتي فأسمع شدو البلابل من أناشيدهم وعراكاتهم ومناقشاتهم الحامية وخصوماتهم الحلوة. فطوبى لمن رزق بعائلة سعيدة فهي من نعم الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي