معرض الرياض الدولي للكتاب .. تظاهرة ثقافية

في التقرير الذي تجده في موقع وزارة الإعلام عن معرض الرياض الدولي للكتاب, الذي اختتم أيامه الجمعة الماضي, نجد أنه يتضمن ما الذي أحدثه هذا المعرض كما يقولون في جيل يقرأ وينمي ثقافته وما زال يعد الكتاب ضمن اهتماماته؟ في أيام المعرض عاش المثقفون والمثقفات أياماّ ثقافية جميلة تواصلوا ثقافيا ـ من خلال الندوات والمحاضرات الثقافية المتنوعة التي أقيمت ضمن نشاطاته ـ مع الذات ومع الآخر, وزادوا خبراتهم المعرفية من خبرة المثقفين المشاركين في المعرض.
ومن خلال التجول بين أجنحة المعرض, أو في جناح الطفل يلفت الانتباه كثير من المشاهد التي تجسد أهداف المعرض, فذلك شاب يقرأ كتيبا مستمتعا بقراءته، وتلك طفلة تنتقي كتابا بمساعدة والديها، وآخر يحصل على توقيع من أحد المؤلفين، وآخرون ذاهبون نحو خيمة المحاضرات والندوات لينهلوا من خبرة هذا وليستمعوا إلى أفكار ذاك وليطلعوا على تجربة مؤلف وإلى قصة آخر في تجربة أول إصدار، وليستمعوا إلى عرض وثائقي صوتي عن البرازيل، وذاك يبحث عن أحد الكتب عن طريق أجهزة البحث المتطورة التي وزعت في أرجاء المعرض.
بالطبع هناك توضيح لعدد الدور المشاركة من الداخل والخارج والجهات الحكومية المشاركة أيضا, هذا هو المشهد التقريري ولكن هناك مشاهد أخرى واكبت هذا المشهد الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب لا نختلف أنه يحمل توجهات وأيديولوجيات متعددة. وكما يوضح الدكتور محمد البشر المقصود بأيديولوجينا الإعلام أن:
(الإعلام رسالة، والرسالة موجهة للجمهور، وما لم يكن الجمهور واعياً بمضامين الرسالة الإعلامية وما تحمله من أيديولوجيا فإنه سيبقى أسيراً لكل أيديولوجيا إعلامية تخالف ما يؤمن به ويعتقده), وكما ذكر أحمد العسيلان حول الموضوع أنه (في كل مجتمع توجد مؤسسات إعلامية رسمية وغير رسمية، ولا شك أن لكل مؤسسة أيديولوجيا معينة، أحياناً توافق أيديولوجيا المجتمع أو تخالفه. هذه المؤسسات تخدم ثلاثة أشياء غالباً.
1- تخدم سياسة الدولة. وهذا واضح جلي من خلال الإعلام الحكومي, وهنا لا بد من إشارة إلى أنه غالباً ما تخالف سياسة النخب الحاكمة قيم وأفكار المجتمع, والأمثلة كثيرة على ذلك كما هو الحال في تونس مثلاً أو الجزائر, وأمريكا أكبر مثال على ذلك.
2- تخدم سياسة الأيدي الخفية التي يقول الله عنهم ("وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بالله ..." من خلال القنوات غير الرسمية وأحياناً من خلال القنوات الرسمية دون شعور الحكومات وفي بعض الأحيان تكون هذه الحكومات على علم بما يحدث ولكنها مجبرة.
3 - تخدم أفكار وقيم المجتمع وهذه قليلة جداً وغالبا ما يضيق عليها أو تهمش من قبل النخب الإعلامية, إذ إن لعبة الإعلام لا يخدمها هذا الطرح) . هذه آراء العسيلان, والتي أتفق معها. ومن خلال هذا الإطار التحليلي للمشهد الإعلامي في أي مجتمع.
إذا لا بد من إعادة قراءة النتائج التي نبحث عنها كمجتمع من هذه الفعاليات الإعلامية الثقافية, وإلى أي مدى تخدم النشيج الثقافي في المجتمع وبالدرجة الأولي لا تمثل اختراقا تشريعيا ودينيا للمجتمع المسلم, فالمجتمعات المسلمة تتميز بخصوصية دينية (سواء استهزأ بعضهم بهذا المصطلح أو رضخ), فجميع الديانات والثقافات تحمل خصوصيتها التي تتقاطع مع الديانات والثقافات الأخرى في بعض جوانبها وتتفق في البعض الآخر, الثوابت في ديننا لا تخضع للمساومة ولا للرغبات والأهواء الليبرالية التي تفصل الدين عن الدولة, وتمثل معطيات مايقال إنها مرحلة التنوير في فرنسا, والتي مثلت إرهاصات للثورة الفرنسية كما نعرف, والتي نجد من يحاول استزراعها ( قسرا في نسيجنا الاجتماعي والثقافي).
وإذا قارنا ما أكده وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة في مداخلة له برنامج (الحياة كلمة) للدكتور سلمان العودة في أن رسالة الإعلام في السعودية واضحة لأننا لنا ثوابتنا الدينية وأننا نريد أن نبلغ هذه الرسالة وأن تكون لنا هوية واضحة ونجعل المشاهد العربي يبحث عن القنوات السعودية لتميزها, وهذا بلا شك تحد كبير, خاصة أن المملكة هي قبلة المسلمين ويتوجه إليها آلاف الحجاج والمعتمرين وتهوي إليها أفئدة ملايين المسلمين, وهذا يُحملنا مسؤولية كبيرة وأمانة عظيمة تنوء بحملها الجبال ولكن يحملها الرجال، خاصة أن للسعودية دورا بارزا في القضايا الأممية وفي الحوار مع الآخر ومساعي الإصلاح الداخلي والخارجي وفي تعزيز الثقة بالشعب. هذه رسالة الإعلام التي يفترض أن تكون الاستراتيجية قولا وعملا, وفي كل فعالية ثقافية وكل برنامج إعلامي, لهذا ما واكب معرض الكتاب سواء لهذا العام أو الأعوام السابقة في بعض فعالياته والتغطية الإعلامية له لا يمثل هذه الاستراتيجية, وفي كل عام نجد اختراقا للمنظومة الدينية سواء من خلال توفير مؤلفات تتعرض للذات الأهلية بالسخرية وللتشريعات الدينية أيضا! والتجاوزات هذا العام اكتملت بالتعرض لتاريخ مؤسس الدولة الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله, فهل هذا هو الهدف من هذه الفعاليات؟
أو نجد أن بعض المعروضات من الكتب والمؤلفات والفعاليات تتعدى خطوط المفهوم المعرفي للثقافة التي ترتقي بالإنسان وتخاطب عقله وفكره إلى مستوى متدن ذكره خلف الحربي في صحيفة "عكاظ" يوم السبت 17 ربيع الأول لخير دليل على هذا المستوى المتدني من التناول الذي يقال إنه (ثقافي)!, حيث ذكر الآتي: (إعلامي وأكاديمي ومذيع وكاتب صحافي يحاضر في جمع من المثقفين في جلسة على هامش معرض الرياض للكتاب ويستخدم أثناء محاضرته ألفاظا مكشوفة (قبيحة غير مليحة) لا تليق به ولا بالحضور ولا بالمكان.هكذا بمنتهى البساطة شنف المحاضر أسماعنا بمزيج متنوع من المفردات الإباحية الشعبية الخادشة للحياء والخالية من الذوق أثناء حديثه عن الجنس في بعض الروايات السعودية, هكذا دون مقدمات أصبح (البساط أحمدي) فانهمرت المفردات (البايخة) دون حساب من المحاضر حتى تحولت الندوة الثقافية إلى .. (فيلم ثقافي) غير مشفر!
فهل هذه حرية رأي؟ أم اختراق لمنظومة الثقافة في مجتمع مسلم؟ ويطلقون عليها مصطلحات فضفاضة (حرية الرأي) و (ثقافة الآخر)! التي بالطبع لا تترجم ما جاء في مداخلة وزير الإعلام: (لا شك أن الحرية المسؤولة مهمة, فلا بد للكتاب والمثقفين والمفكرين أن يعبروا عن آرائهم ويجب مع إعطاء الحرية المسؤولة ألا تكون هناك عدم ثقة أو شبهة في الآخر, لأننا تربينا في بلد واحد وتشربنا قيما مشتركة واحدة ليس هناك شك في أحد، ويجب أن نترك لمن لهم العلم والبصيرة الحرية والأمان وأن يعبر العالم والمثقف عن أفكاره بحرية, وهناك منطلقات ثابتة يجب أن ننطلق منها في كل حياتنا ويجب أن نستمع إلى الرأي الآخر وأن نمد جسور التواصل بين القيادات والعلماء والمفكرين والمثقفين والمجتمع. (تابع)

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي