ومن الحوار ما قتل
يفتح أحدهم جريدته الصباحية فيلمح إعلانا عن طلب وظيفة، يرغب في التقدم لها ويبدأ في التخطيط للآليات الأنسب للنجاح في المقابلة، يشرع في حوار ذاتي عن مدى كفاءته أو طبيعة الأشخاص الذين سيقابلهم ونوعية الأسئلة التي سيطرحونها، وهل سيتمكن من إقناعهم أو كسب إعجابهم، ويشكل هذا الحوار الداخلي أحد أهم العوامل الفعالة التي تمكن الشخص من مساعدة ذاته، كما أنه قد يكون أحد العوامل المسؤولة عن انعدام فاعلية السلوك الذي سيقوم به، فهو يرسم توقعاتنا وأحكامنا، ويدعم مخاوفنا أو تمنياتنا، لذا فمن شأنه تعزيز القلق في دواخلنا أو خفضه .
قد يكون الحوار الداخلي لذلك الشاب المتقدم للوظيفة: أود الحصول على هذه الوظيفة لكن هناك دون شك من هو أكفأ مني وأكثر خبرة، أخشى أن يطرحوا علي بعض الأسئلة التي لا أعرف كيف أجيب عنها، هذا الأمر سيجعلني عصبيا وفي هذه الحالة قد أتلعثم ويبدو منظري سخيفا .
هذا النوع من الحوار الداخلي والأشياء والأمور التي نخبر بها ذواتنا يثير ببساطة القلق في دواخلنا فلا نعود نفكر سوى في كيفية مواجهة وضعية القلق وتجنب الوضعية الاجتماعية المسببة لذلك (حضور المقابلة) وهكذا يزداد أكثر فأكثر ذلك القلق الذي نشعر به تجاه المقابلة وتنخفض كفاءتنا بالفعل.
إن ما يعيقنا في كثير من الأحيان عن إنجاز شيء ما لا يكمن في عجزنا عن القيام به، بل في عدم اعترافنا بكفاءاتنا العقلية وبتضخيم نقاط الضعف فينا، ولقد تبين أن الأشخاص القلقين يفرطون في تقييم المظاهر السلبية وفي التقليل من أهمية سماتهم الإيجابية من جهة أخرى، وهذا يعني أن القدرات الفعلية عند هؤلاء الأشخاص ليست أدنى من تلك التي يملكها الأقل قلقا منهم، لكنهم يشوهون كفاءاتهم بأفكارهم وقلقهم اللامنطقي.
يبدو واضحا مما سبق وجود ارتباط مباشر بين القصور في الثقة بالنفس والتوقعات غير العقلانية التي تترجم للعقل الباطن عبر حواراتنا الداخلية، فيقول الأشخاص القلقون لأنفسهم – من دون أن يعوا ذلك – إنهم لن يتمكنوا من القيام بالمهمة في هذه الوضعية الاجتماعية أو تلك، وكثيرا ما لا يتمكنون من التحقق من توقعاتهم السلبية تلك أو دراسة مصداقيتها لأنهم يعمدون قبل التجربة إلى تجنب تلك الوضعيات خوفا وقلقا.
كيف تتحاور مع نفسك؟ تزداد أهمية هذا السؤال يوما عن يوم كلما ازددت اهتماما بقيادة حياتك نحو الأفضل وبتطوير ثقتك وإمكاناتك، حيث ستربح كثيرا من الإنجازاتك إذا طورت من طبيعة حواراتك الداخلية، وستخسر كثيرا من الفرص إذا تابعت حوارك الناقم الناقد .