العاصفة

في 10 مارس 2009م كان موعدي مع خبير الأبواب المتحركة الموسى عند الساعة الحادية عشرة، ودقائق بعدها انقلبت السماء بدخان برتقالي وكأنها فطر نووي فوق رؤوسنا.
وتذكرت الآية ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم.
سارعنا بإغلاق النوافذ والأبواب، ولكن الغبار كان أسرع منا فقد انتصب كشبح غامض في وجهنا يعلن عن نفسه، أما الأثاث فقد انقلب لونه من الأسود إلى البيج، وبقيت حفلة مسح الغبار أياماً.
وحين مررت على أبي حسن اليمني ملمع وغاسل السيارات، كان منفرج الثغر باسماً! قلت له أصدقني الخبر كم سيارة غسلت؟ ضحك وقال مصائب قوم عند قوم فوائد! وكان يشكو من قلة الزبائن فلم يعد يلحق الغسل والمسح والتلميع.
وقبل أيام كنت في طريقي إلى الطائف فغطسنا في الرمل ساعتين ذهابا، فكان يدخل المآق والفم فنشعر بطعمه، وفي العودة كانت المحنة أكبر فقد لبثنا فيها خمس ساعات عددا وأحيانا لا نرى بعد خمسة أمتار، وهناك من يطير بجانبنا وكأنه راكب جامبو في السماء، وليس سيارة تقتحم غمرات العاصفة الرملية؛ فأتعجب وأقول إن الأمر أكبر من السرعة والتهور، بل إنه عين الجهل والجريمة، للمخاطرة بحياة الآخرين، وحياته، التي يبدو أنه لا يسأل عنها؟
ولم يكن أمامنا إلا إعلان إشارات الخطر، وتخفيف السرعة إلى الحد الأدنى، خوفا من الحوادث وحرصا ألا تجرح واجهة السيارة بشفرات ميكروسكوبية لا ترى؟ وقد كان!!
فقد أصبحت واجهة السيارة بعدها كمن أصابه الكمد والحزن ورمد العينين، ولم تعد تلك الابتسامة اللامعة لوجه السيارة وعيونها الجميلة، بل كأن الرمد أصابها فذهبنا إلى المكحل أبو حسن للتلميع وجربنا فكان نصف تصليح.
ولعل هذا يحكي طرفا من تاريخ العقال والغترة وللجنسين، فهو لحماية الوجه من عواصف الغبار ولفح الشمس، والعقال لربط هذه الخرقة الحامية، ولكنه أصبح اليوم شعارا وطنيا وحلة زاهية بألوان فاقعة تسر الناظرين.
وهذا يحكي كيف تبدأ الأمور وأين تصير؟
وهو يذكرني أيضا بلباس الرأس عند الطوارق وللجنسين..
بل أراه لونا من الديمقراطية الخفية غير المعلنة؛ فالأمير والصغير هما بنفس اللباس الأبيض الجميل النظيف، والغترة الحمراء الجميلة المتناسقة، بأجمل من قبعات هوليوود، إعلانا للثقافة المحلية، والثقة بالنفس العالية في المناسبات العالمية.
وأسمع من بعض السعوديين نصيحتهم بدهن مقدمة السيارة بصابون حين اشتداد العاصفة، وقد حدث هذا معي يوما، وأنا في طريقي إلى القصيم، فلما سألت محلات المواقف؟ كان الصابون قد تبخر على أيدي المشترين، فقفلت راجعا أدراجي إلى الرياض، ولم يكن ذلك ممكنا مع رحلة الطائف بـألف كيلومتر.
ويوم العاصفة قال لي إيهاب من مكتب السفريات والطيران لقد ألغيت رحلات القصيم يومها فعرفت أن العاصفة كانت أكبر من الرياض.
وكانت طريقة وضعي أسفل الأبواب حمايات خاصة حاجزا ممتازا في جعل الغبار يخسر جولته في الدخول من تحت الأبواب، وهو أول شيء عملته في الفيلا التي استأجرتها، وكثير من الناس لا ينتبهون لهذه الإضافات البسيطة في البيوت، ويصرفون الكثير على التوافه.
وهذا يعطينا درسا في حماية أنفسنا من غضب الطبيعة بأساليب بسيطة تنفع كثيرا، ولكن نفاجأ أحيانا بأمور ليست على البال، والعقل الإنساني لا يتعلم بالمقايسات كما يتحدث الفقهاء عن القياس، بل بالمعاناة، وفي القرآن أنه تعالى يذيق الناس العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي