قطر الندى ونقر التجارة في مسيرة بن زقر

من أجل أن ينبض القلب حُزنا وتدمع العين شوقاً، سُكبت قطرات الندى على وجنتي فقيد التجار – العم وهيب بن زقر – وبدلاً من العويل والنياح آثرت الصمت عملاً بما فعل رسولنا على ابنه إبراهيم حين قال "إن العين تدمع وإن القلب يحزن وإن لفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
إن مسيرة العم وهيب بن زقر ـ رحمه الله تعالى ـ، تحمل في طياتها عائلة عركت التجارة والبيع والشراء مع صغار التجار أكثر من 125 عاماً بهدوء دبيب النمل وتوهج خلية النحل، وخلال مسيرة العطاء اسمعنا المعلم الاقتصادي نقرات فنون العمل، وكانت أقرب إلى محاضرات جامعية لمادة علمية، من أقواله ـ رحمه الله تعالى: من السهل أن تكون مستثمرا أو رجل أعمال فكل ما تحتاج إليه أن تستثمر في العقار أو الأسهم أو الودائع، ولكن من الصعب أن تكون تاجرا تتعامل مع عشرات الآلاف من العملاء، والذين بدورهم يتعاملون مع الملايين من المواطنين.
العم وهيب بن زقر ـ رحمه الله تعالي ـ كان جريئا جدا في طرحه للقضايا من الناحية الاجتماعية، بأسلوبه (الجداوي) وأمثاله الشعبية التي تستند أحياناً إلى معان ذات مغزى بين الكلمات والحروف، وهو لم يتوقف أو يتغير من عشرات السنين عن دعم قضايا الشباب وحقوق السيدات، ومشكلاتهم الاقتصادية، وما ينطوي عليها من آثار اجتماعية خطيرة، حتى في السنوات الأخيرة وجد نافذة صادقة ومتفاعلة مع مجتمع الاقتصاد والشباب وهي جريدة "الاقتصادية"، فقام يتوج محاضراته العلمية في صدر كل يوم سبت من كل أسبوع، ويبث هموم الألم إلى ما يهدد القيم الاجتماعية ويقضي على ما توارثته الأجيال من أعراف وعادات طيبة، ويشارك اقتصادياً واجتماعياً في مشكلات التفكك الأسري وتزايد نسب الطلاق في المجتمع وضرورة المساواة بين كل من الطرفين وإحقاق الحقوق، وينطلق إلى ضرورة معالجة العلاقات الإنسانية من منظور إنساني، حتى تتحقق العدالة الاجتماعية قبل الأهداف الاقتصادية.
العم وهيب بن زقر كان نوعاً من الإبداع في التفكير، المُدعم بالعلم والمعرفة، الساعي إلى توفير حلول وطنية اجتماعية تعطي المواطن الحماس للإتقان في العمل والرغبة والتفاني في طلب المعرفة. ويسعى دائماً إلى أن يجمع رجال الأعمال والمال تحت مظلة العمل المشترك البنّـاء من أجل رفعة الوطن والمواطن.
العم وهيب بن زقر كان يقرع الجرس المرة تلو الأخرى، ويقول إن المواطن هو الإنسان المدرك لواقعه، الأمين على ما أؤتُمن عليه، القانع بدخله الذي قسمه الله له، الراضي بعمل يكسب منه، القوي في صحته، المحصـَّن من مغريات الحياة وأمراضها التي تتزايد يوماً بعد يوم في هذا العصر الذي نعيش فيه، والمعرفة والعلم أثقل شيء في موازين ثروة الأمة، وأهم من تشييد المباني الخرسانية وفي هذا القول، يستند فكره إلى الجانب الديني، إذ يذكرنا بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (من أصبح منكم آمناً في سِربه معافًى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا) أخرجه مسلم.
العم وهيب بن زقر شارك أبناء الوطن من خلال جريدة "الاقتصادية" أهداف التنمية البشرية وأسهم بدفع المديرين المبدعين الذين يستثمرون الحاضر للمستقبل في التجارة والبيع والشراء ومعرفة السوق وفي تسويق المنتجات الوطنية، كان يهتم دائما بمسألة التوظيف، ويراعي في الشباب الأمين القوي بعد تزويده بالعلم والمعرفة، حيث يذكر دائماً قوله تعالى: "إنَّ خَيْرَ مَن اسْتأجَرْتَ القويّ الأمين"، وقال إن الاهتمام والتمسك بهاتين الصفتين (القوة، والأمانة) عند قيام صاحب العمل باختيار الموظف أو العامل الذي سيدير العمل أهم من أنظمة العمل أو حقوق العامل والتزامات صاحب العمل.
العم وهيب بن زقر، كان مفكرا راقي الأسلوب، متفهما لواقع ومشكلات وقضايا وطنه.. يرتكز إلى البعد الاجتماعي دائماً، فهو صاحب رسالة تستلهم مضامينها من أجواء المجتمع السعودي، وتستهدف النهوض بهذا المجتمع من جميع النواحي الإنسانية، الاجتماعية، التعليمية، الاقتصادية، والصناعية، من أجل خلق مجتمع مثالي يرتكز على القيم الإسلامية السمحة والقيم والعادات الطيبة وهو ينطلق بتقنيات العصر متسارعة الخُطى والتطور نحو غدٍ مشرق واعد.
وآخر قولنا "إنا لله وإنا إليه راجعون"، اللهم اغفر وارحم عبدك وهيب بن زقر، وعافه وأعفو عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدنس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي