مرتكزات نجاح المسؤولية الاجتماعية في السعودية

احتضنت مكة المكرمة فعاليات ملتقى الشراكة في المسؤولية الاجتماعية بين القطاعين العام والخاص، يوم الأحد الموافق الثامن من آذار (مارس) من العام الجاري، بتنظيم من الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة، وبرعاية الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة.
من بين أبرز أهداف الملتقى المذكور، العمل على زيادة الوعي المرتبط بمفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى جميع أفراد المجتمع بمختلف طبقاته وشرائحه وطبيعة تكوين مؤسساته، إضافة إلى التأكيد على أهمية الشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص، للنهوض بمستوى المسؤولية الاجتماعية في السعودية، والارتقاء بمستوى الأداء.
الملتقى استهدف كذلك، تحديد وتقييم احتياجات وأولويات المجتمع، وتوضيح الفوائد التي سيجنيها المجتمع من الشراكات الفعالة بين القطاعين العام والخاص في تطوير آليات العمل الاجتماعي، التي يتحقق عنها المقاصد والغايات والأهداف المرجوة من وراء تفعيل المبادرات والبرامج المختلفة المرتبطة بمجالات عمل المسؤولية الاجتماعية.
اتفق عدد من أرواق العمل، التي قدمت في الملتقى على المعوقات والصعوبات والتحديات، التي يواجهها تطور ونمو عمل المسؤولية الاجتماعية في السعودية، سواء كان ذلك على مستوى القطاع العام أم على مستوى القطاع الخاص، حيث قد شخص معظم أرواق العمل المشكلات والمعوقات التي تواجه عمل المسؤولية الاجتماعية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، عدم وجود تعريف أو مفهوم موحد للمسؤولية الاجتماعية، مما تسبب في خلط الأوراق والمفاهيم والاتجاهات المرتبطة بمجالات عمل المسؤولية الاجتماعية في السعودية، الأمر الذي يؤكده، أنه لا يزال بعض من أفراد المجتمع السعودي، يتعامل مع المسؤولية الاجتماعية، على أنها نوع من أنواع العمل التطوعي، بينما البعض الآخر يتعامل معها على أساس أنها نوع من أنواع العمل الخيري والصدقة الجارية. هذا الخلط بين الأوراق، تسبب في عدم ديمومة العمل في مجالات المسؤولية الاجتماعية المختلفة، ولا سيما أن المسؤولية الاجتماعية وفق تعريف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة، هي "الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل"، وبالتالي وفق ذلك المفهوم والتعريف العالمي للمسؤولية الاجتماعية، فإن نجاح المسؤولية الاجتماعية بالنسبة للشركات، يتطلب الالتزام بعدد من المعايير المرتبطة بالمسؤولية الاجتماعية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، قيام الشركات بدورها بالمسؤولية الاجتماعية المرتبط باحترام البيئة الداخلية للشركة (العاملين)، والبيئة الخارجية التي تعمل في محيطها الشركة (أفراد المجتمع)، وكذلك توفير الدعم والمساندة اللازمة للمجتمع للنهوض بمستواه الاجتماعي والحضاري، وكذلك حماية البيئة المحيطة، من خلال توفير المنتج والقيام بالمبادرات وتقديم البرامج التي تخدم البيئة وتعمل على التحسين من الظروف البيئة للمجتمع، من خلال معالجة المشكلات البيئية المختلفة.
من هذا المنطلق فإن نجاح أعمال المسؤولية الاجتماعية، يعني القدرة والالتزام بإعمار الأرض وتوفير الحماية اللازمة لها من جميع المنغصات التي قد تتسبب في تدميرها وفي هدم مكتسباتها ومقدراتها الحضارية، كما أن نجاح المسؤولية الاجتماعية، يتطلب من القطاع الخاص، إيجاد فرص العمل المناسبة لأفراد المجتمع، بما في ذلك إقرار الأجر العادل، وإتاحة فرص التدريب والتأهيل والتشجيع على دعم إنشاء المشاريع الصغيرة، وكذلك دعم حقوق الإنسان، بما في ذلك تطوير البرامج التعليمية والصحية المختلفة، وتوفير الدعم اللازم لتطوير البنى التحتية.
متطلبات نجاح أهداف المسؤولية الاجتماعية، يتطلب كذلك تكاتف وتضافر جهود جميع أفراد المجتمع بمختلف طبقاته وشرائحه ومستوياته، بما في ذلك القطاع العام والقطاع الخاص، فعلى سبيل المثال، فإن مسؤولية القطاع العام تتمثل في توفير المساندة اللازمة لعمل القطاع الخاص في مجالات المسؤولية الاجتماعية المختلفة، من خلال تحديد الأولويات والاحتياجات الخاصة بأفراد المجتمع بمختلف فئاته وطبقاته وشرائحه، بما في ذلك توفير المعلومات المطلوبة عن مجالات المسؤولية الاجتماعية، والتحفيز على الانخراط في مجالات عمل المسؤولية الاجتماعية، بينما مسؤولية القطاع الخاص تنحصر في رأيي في الالتزام بسلوكيات وبإجراءات عمل معينة (إنتاجية، وإدارية، وتسويقية)، يمكن من خلالها تلبية احتياجات أفراد المجتمع المختلفة، بما في ذلك الإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بمفهومها الواسع والشامل، الذي يتحقق عنه ديمومة الاستقرار للجيل الحاضر وجيل المستقبل.
المجتمع المدني كذلك تقع عليه مسؤولية كبيرة في إنجاح مجالات عمل المسؤولية الاجتماعية المختلفة، من خلال تحقيق التكامل والترابط والتنسيق المطلوب للعاملين في مجال المسؤولية الاجتماعية، للوصول إلى الفئات المستهدفة من فئات المجتمع، ومن هذا المنطلق فإن التنسيق بين الأدوار المختلفة لمؤسسات المجتمع المدني المختلفة، يعد أمراً مطلوباً لإنجاح أعمال المسؤولية الاجتماعية وتحقيقها لأهدافها منعاً للازدواجية والتكرار في الأدوار.
دور الإعلام المحلي بمختلف وسائله وأدواته، هو الآخر في رأيي تقع عليه مسؤولية كبيرة في تفعيل مجالات عمل المسؤولية الاجتماعية بداخل المجتمع، من خلال توضيح المفاهيم الصحيحة للمسؤولية الاجتماعية، وعرض النماذج المشرفة والتجارب الناجحة للمسؤولية الاجتماعية على العامة، بهدف التشجيع والتحفيز على تبني المبادرات والبرامج.
تطوير العمل في مجالات المسؤولية الاجتماعية، يتطلب كذلك وضع التشريعات وسن القوانين اللازمة من الحكومة، التي تعمل على تفعيل الشراكة المطلوبة في مجال عمل المسؤولية الاجتماعية بين القطاع العام والقطاع الخاص، وتحفز وتشجع عليه، كما أن الأمر يتطلب في رأيي تقديم الحوافز والتسهيلات من قبل الدولة للقطاع الخاص، التي تشجعه وتحفزه على التوسع في مجالات عمل المسؤولية الاجتماعية، أخيراً وليس آخرا فإن نجاح عمل المسؤولية الاجتماعية، يتطلب التعزيز من ثقافة ووعي وإدراك أفراد المجتمع بمتطلبات المسؤولية الاجتماعية ومجالات عملها المختلفة، بما في ذلك تصحيح المفاهيم المغلوطة عن المسؤولية الاجتماعية، الأمر الذي في رأيي يتطلب من وسائل التعليم المختلفة بما في ذلك وسائل الإعلام التكثيف من البرامج المرتبطة بتوعية أفراد المجتمع بأهمية العمل في مجالات المسؤولية الاجتماعية، بصرف النظر عن القدرة المالية أو الوضع الاجتماعي للفرد.
خلاصة القول، إن تعزيز مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى أفراد المجتمع، وتطوير مؤسسات المجتمع المدني للتعامل مع متطلبات المسؤولية الاجتماعية بالشكل المطلوب الذي يخدم تحقيق أهداف المسؤولية الاجتماعية، يتطلب تعزيز مفهوم الشراكة الفاعلة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وتصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة لدى أفراد المجتمع عن المسؤولية الاجتماعية، الأمر الذي سينتج عنه تمكين المسؤولية الاجتماعية من تحقيقها أهدافها المنشودة وكما أسلفت، والتي من بين أهمها وأبرزها، إعمار الأرض وتعزيز مفهوم التنمية المستدامة، وفقما طالبتا بذلك قمتا الأرض اللتان عقدتا في عام 1992 في البرازيل وفي عام 2002 في جنوب إفريقيا، والله من وراء القصد.

طلعت بن زكي حافظ

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي