محنة السودان

تتسلط الأضواء في العالم على السودان الشقيق، وكالعادة تقوم وسائل الإعلام بتفسيراتها لما يجري على ضوء مصالح أصحابها وفي أحسن الحالات على أساس ما يصلها من معلومات.
وقد اخترت العنوان "محنة السودان" ولم أقل مشكلة دارفور لأن دارفور هي الحلقة الثانية في مسلسل به حلقات ثالثة ورابعة داخل السودان ذاته.
وقد لاحظ المراقبون همة ونشاط أوكامبو الذي يذكرنا ببتلر في مشكلة العراق، أي الوسيط "المحايد" الذي يشخص الداء ثم يسلمه للجراحين للقيام بالعمليات الجراحية المطلوبة حسب رغبة النظام العالمي الجديد الذي هجر فكرة الحرية إلى فكرة إعادة تقسيم الأراضي على النمطين البرتغالي والإسباني ومن بعدهما الإنجليزي والفرنسي في القرون 14، 15 ثم 17، 18، 19 على التوالي.
وبطبيعة الحال وعلى قدر اللهجة الاستعلائية والاستفزازية بإلقاء القبض على رئيس دولة مستقلة تأتي ردود فعل هذا الرئيس الذي يرد ردودا تتسم بالانفعال، وهو انفعال مبرر، ولكنه مطلوب بشدة من القوى التي تحاول جذبه إلى أرضها الفضاء ومن ثم تتوالى الأحداث في سيناريو أصبح مشهورا، وهو توقيع العقوبات ثم يأتي عزرائيل مكللا بملابس الباب السابع، ثم تقف روسيا والصين على الحياد حتى لا تعطل المسيرة، ويبدأ استنفار الدول "المحبة للحرية" تحت مظلة "حامية الحرية" ويطلق على هؤلاء قوات التحالف والبقية للأمريكيين.
وعادة ما يوصف ما نكتبه بأنه جزء من الغرق في بحر نظرية المؤامرة، ولكن السودان في وضع أفضل من العراق الذي اتهم بالأسلحة النووية ولم يوجد منها شيء، ولم يعتذر أصحاب الادعاء عن كذبهم لأنها السياسة، لعبة ماكيافيلي والغاية تبرر الوسيلة.
والغاية هنا تقسيم بلد أوسع مما ينبغي، والغاية أيضاً الحصول على نفطه وغيره من يورانيوم ومعادن دقيقة أثمن وأغلى مثل المعدن الذي يصنع هواتف الموبايل، والأهم تأسيس قاعدة على غرار العديد تسيطر على منطقة كانت فرنسية فيما مضى وتضم تشاد وإفريقيا الوسطى والنيجير والكاميرون والسودان بطبيعة الحال.
ويدعم هذا الزعم الذي ذهبت إليه عدة تسأولات؟
- لماذا لم تتحرك المحكمة الدولية ضد أمريكا وإسرائيل؟
- لماذا سكتت الدنيا على مذابح سيراليون التي راح ضحيتها خمسة أضعاف ضحايا دارفور بأرقام أمريكا؟
- لماذا لم تسمع واشنطن أو تشم أو ترى مصرع أربعة ملايين من الهوتو والتوتسي واللنجالا في رواندا وبورندي والكونغو؟
- لماذا تركت الصومال ليحكمها عشرة فصائل؟

والقائمة طويلة ولا أدنى شك لدنيا في أن وراءها العناصر المدمرة التي دمرت غزة، ثم جلس العالم ليعوض الفلسطينيين عن "حماقة" المعتدين، وأفلت هؤلاء تماما. وإجابة على سر تقاعس أمريكا عن التدخل في الحالات المذكورة أنها بلاد فقيرة لا خير وراءها.
إن دارفور ببساطة قصة قديمة يفتحون لها ملفا جديداً للاستفادة التي تتفق مع "العولمة" إنها أرض مراع واسعة بها أفارقة وعرب يتصارعون منذ مئات السنين ويتفقون ويتصالحون حول المراعي. وهناك فرق هنا تسلحها تشاد وفرق أخرى تسلحها الخرطوم.
والمسألة كر وفر ولكن المخيف هو دخول تجار الرقيق والمستعمرين البيض لتسوية الأمور بما يحقق خططهما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي