حتى لا نستورد الأزمة.!

عصف بالعالم تسونامي مالي قضى على امبرطوريات مالية واقتصادية هائلة وأعاد ترتيب خريطة النظام المالي الاقتصادي العالمي, لم تقف عند هذا الحد, بل تغيرت نظريات وأسس اقتصادية ومالية راسخة كانت تعد بمثابة المسلمات والحقائق فلم تعد نظرية آلية السوق في الاقتصاديات الرأسمالية الراسخة تسليماً مطلقاً لا يمكن التدخل فيه من قبل الحكومات والمنظمات.
واختلطت النظريات الرأسمالية بالاشتراكية ونشأت الحاجة الملحة لتدخل الحكومات حتى الرأسمالية منها بأساليب طالما انتقدتها وعابت استخدامها, وقد وقفت الحكومات جميعاً وتدخلت للتخفيف من حدة الموجه.
ومن تداعيات هذه الأزمة العالمية:
انهيار بعض المؤسسات المالية الكبيرة الراسخة منها من خسر في عام واحد ما حققه من أرباح طوال عشرات السنين, ومنها من تأخر ترتيبه من البنك الأول إلى السلم السادس والسابع.
انهيار أسعار العقارات في البلدان الأكثر تأثراً.
هبوط مؤشرات أسعار البورصات العالمية إلى مستويات بنسب تفوق تلك التي حدثت في الأيام التي عرفها الغرب بالأيام السوداء (الإثنين الأسود 87م) وما ندري بأي لون سيصفون هذه الأزمة بأدبياتهم المقبلة.
انعدام الثقة بين المؤسسات المالية بعضها بعضا، والتخوف من القادم لها من آثار الأزمة.
تصدع أركان الشركات الكبرى التي ترتبط في مبيعاتها على تمويل المؤسسات المالية للأفراد، بانخفاض حاد ومدو في مبيعاتها وهدد بإفلاس كيانات تربعت على عرش صناعاتها لعشرات السنين.
إن ما رآه المنظرون والمعالجون للأزمة المالية الحادة من وجوب تدخل الحكومات وكسر النظريات القديمة الراسخة بترك عوامل وقوى السوق تصنع مسار الاقتصاد بنفسها خفف من حدة الأزمة وعالج بعض التداعيات اللاحقة وأسس لنظريات وأساليب جديدة لم تكن معهودة.
ما يهمنا هو ما يخص الاقتصاد والأسواق السعودية التي, بفضل الله سبحانه وتعالى, أولاً ثم بفضل السياسات الحكيمة والمتأنية لصانعي القرار في البلاد، جعل السعودية تقف على أرض مرتفعة لا تهزها الأمواج العاتية لهذا التسونامي الشنيع، وهذا لم يمنع وجود بعض التأثيرات لبعض الشركات أو المؤسسات المالية ولو بشكل غير مباشر وغير حاد كان أكبر ما فيها سوق الأسهم السعودية لشدة ارتباطه بالعالم الخارجي وحساسيته المالية العالمية للمؤشرات وبعض المؤسسات التي تتخذ من الأسواق العالمية مرتعاً لاستثماراتها الرئيسة.
بقي أن نركز على الشريحة الأعم والأهم والأكبر وهي الشركات والمؤسسات السعودية التي تسهم في الناتج المحلي، وتلبي احتياجات التنمية المستدامة بقيادة حكومة خادم الحرمين الشريفين التي صنعت مساراً وكان خيارها دفع عجلة النمو والتطوير بزيادة المصاريف التقديرية الحكومية بنسبة فاقت 17 في المائة, وبالتالي كان لزاماً على هذه الشركات والمؤسسات السعودية الخاصة، مجاراة خطة الحكومة بنمو مماثل (17 في المائة) لعملياتها, وجزء كبير من هذا النمو موجه لتلبية احتياجات المشاريع الحكومية من مقاولات وتوريدات واحتياجات طرحتها الحكومة في إطار أكبر ميزانية في تاريخ المملكة عام 2009 وهي 475 مليار ريال.
ما حدث على أرض الواقع رغم تأكيدات بعض الجهات أن مسار التنمية مفتوح والطريق إلى النمو ممهد، هو أن المؤسسات والشركات الوطنية تجد نفسها غير قادرة على المحافظة حتى على معدلاتها السابقة في الأعوام 2007 و2008 نتيجة وجود حقيقة دامغة أن المال هو عصب الحياة الاقتصادية وأن المعاملات الاقتصادية باتت مستحيلة دون اللجوء إلى استخدام الأدوات والضمانات المالية المقدمة من المؤسسات المالية بشكل رئيس البنوك, وما يتضح جلياً من تباطؤ في تلبية حاجات قطاعات الأعمال من البنوك لوصول مستويات الاستخدام لديها لمعدلات عالية قاربت استنفاد إمكاناتها في الإقراض والتمويل، فضلاً عن الحساسية العالية في القطاع وشكوك الائتمان المتصاعدة وأن التطمينات المتكررة لم تعد كافية لدفع عجلة النمو، وباتت الحاجة ملحة لتدخل أكثر تفصيلاً من قبل موجهي وصانعي السياسات المالية في الوطن من أجل استمرار التنمية المستدامة التي يقودها قطاع الأعمال في البلاد، مع العمل على تلبية احتياجات قطاع الأعمال لتنفيذ المشاريع الضخمة التي يتم تنفيذها حاليا على أرض الواقع في مختلف مناطق المملكة حتى تكتمل المنظومة الاقتصادية في بلادنا دون الإحساس بأية هزات أو توابع للأزمة المالية العالمية بحيث نكون في مأمن عنها، ونعيش دونها ونصبح بذلك غير مستوردين لها.
ولست هنا لأنظر واطرح الحلول، لأن الأمر منعقد بمعلومات وبيانات غاية في الأهمية كما أن صانعي القرار ومهندسي السياسات المالية في المملكة قادرون على أتخاذ القرارات المناسبة، معتمدين على الله, سبحانه وتعالى, ثم التوجيهات العليا من القيادة الحكيمة في ظل ظروف وتحديات متغيرة لافتاً النظر إلى أهمية التدخل بتفاصيل أكثر وتعمق أكبر ودقة أهم للوصول إلى دفع عجلة الاقتصاد والأعمال وتفادي التباطؤ الذي ربما يخلق أزمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي