أمانة الترجمة المفقودة
سمعت الكثير عن كتاب "التصوف الإسلامي" للمستشرق تور آندريه قبل الحصول عليه، كان يدور الحديث حول الكتاب عن مدى كونه أفضل مرجع ومدخل أولي لمن أراد القراءة حول الصوفية والمعرفة عنها، وسعدت عندما وجدته صادرا بترجمة عن دار الجمل، وقد قام بترجمته د.عدنان عباس علي، كون الدار عريقة لذلك كنت متأكدة أن ترجمة الكتاب ستكون جيدة.
عندما شرعت في قراءة مقدمة المترجم فوجئت بقوله إنه قام عمداً حذف أجزاء من الفصل الأول فيها مقارنة بين الزهاد من المسلمين والرهبان المسيح، بحجة أنها قد تفرق بين النصرانية والإسلام وهذا ما لم يرده الله سبحانه وتعالى، لأديانه.
لم يزعجني أني قرأت الكتاب بمعلومات ناقصة، ولم يزعجني أني فقدت معلومة هذه الفروقات وهذه المقارنة، لأني ببحث بسيط في محرك البحث google سأحصل على كل معلومة أريدها!، لكن ما أزعجني هو أن المترجم مارس وصاية علي كقارئ، وفرض دينه وتوجهه وافترض عدم وعي القارئ الذي يحتم عليه أن يختار له ما هو أكيد أنه متوافق مع دينه وعمل عليه.
المترجم نسي تماماً أمانته العلمية في الترجمة، ونسي أنه مترجم هو في الأساس ناقل للفكر لا كاتب له، فإن كان يريد أن يجعل من آرائه تحدد له ما يترجم فليختار كتاباً يتناسب مع أفكاره أفضل من أن يختار من الكتاب نفسه ما يتبع فكره وتوجهه الشخصي.
الكتب لن يقرأها قراء لهم ذات التوجه والفكر والدين، هذا أولاً .. ثانياً بعض القراء لديهم الوعي الكامل للتفريق بين ما يتأثرون به وما يكتسبونه دون التأثر والتمسك بأفكارهم الخاصة، وإذا ما تدخل المترجم في انتقاء ما يود أن يصل للقارئ فإنه يهمل هذا الوعي لديه.
أحياناً نجد أن بعض المترجمين يضيفون معلومات خارجية في حاشية الكتاب لمساعدة القراء فيما لو كتب الكاتب الأصلي عن بعض الأشياء ولم يعرف بها مثلاً، لكن مهما كان هو نقل النص الأصلي، ومن ثم أضاف عليه مع توضيح في الحاشية كون هذه الإضافة هي من المترجم، هذا الفعل غير مستنكر وغير مستفز وعلى العكس يعتبر إضافة جيدة للمترجم لدى القارئ كونه أكسبه معلومات إضافية فيما لو كانت الترجمة جيدة، لأنه سواء أضاف أم لا، سيبقى أنه قام بترجمة النص الأصلي وفيما بعد ذلك عائد إليه.
بالنسبة للكتب المترجمة لدينا، أصبح المترجم غالباً هو أساس الحكم لدى القارئ فيما يخص مدى كون الكتاب جيدا أم لا، لأن الصورة الأولى نقلت عبره، لذلك فالترجمة ليست مجرد فعل عادي، وللترجمة أمانة علمية يجب أن يتقيد بها المترجم، سواء بنقل النص الأصلي أو إجادته، وعندما يتدخل المترجم بعدها في أي نص "أصلي" سواء بإضافة أو نقص فهو بذلك يمارس وصاية على القارئ ليكن أكيداً أن أي قارئ واع لن يتقبلها!.