معركة إعلامية خاسرة (1 من 2)

على غير العادة خرج الإسرائيليون من معركة غزة وهم يعضون بنان الندم، فرغم التفوق العسكري الكاسح الذي أسفر عن استشهاد ألف وخمسمائة فلسطيني بين شباب ونساء وكهول وأطفال إلا أن هناك الإجماع أن الدولة العبرية خسرت معركة الإعلام الدولي.
وعندما جلس اليهود في أنحاء العالم لتجميع الملفات الإعلامية التي سجلت حرب الرصاص المصبوب فوجئ هؤلاء - وهم المدللون دائما - بأن العالم يمتعض من تصرفاتهم. وبدأ اليهود يستمعون إلى عبارات على شاكلة "أية محرقة يتحدث عنها هؤلاء وقد أثبتوا أنهم أكثر إجراما من النازي". وتداولت رسائل الموبايلات رسالة شهيرة عن هتلر عندما قال "لقد قتلت بعض اليهود ولكني تركت الباقي للعالم ليعرف الجميع كم كنت على حق" وهي عبارة أرقت الإسرائيليين كثيراً، ووقف زعماؤهم يتحدثون عن الخسائر الأدبية التي لحقت بهم، والتي ستستمر معهم لفترة طويلة. وقد أسفر انشغال المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بعمليات القتل المنهجي عن إهمالهم للعبتهم الشهيرة وهي بناء الصورة وتسخير العلاقات العامة لقلب الحقائق كما تعودوا ونجحوا بدعم سخي من واشنطن.
تصاعدت أصوات من إسرائيل تطالب فورا بإنشاء "ساحة معركة إعلامية" يمكن فيها شن حملة إعلامية لصالح إسرائيل. وبدلاً من الانصياع لمنطق الأمور ولغة الحقيقة، تعلو نغمة فشل الإعلام الإسرائيلي في مواكبة الحدث. والرد على هؤلاء في منتهى البساطة وهو أن الإعلام السليم الذي يتمتع بمصداقية هو وصف للأحداث وهو نشاط تابع للواقع. وغاية ما يؤرق الإسرائيليين أن بعض النماذج المكررة التي احتكروها طويلاً بدأت تنهار تحت ثقل جرائمهم. وقصة "دافيد وجوليات" معروفة حيث يصور اليهود أنفسهم أنهم من نسل البطل الأسطوري داود عليه السلام الذي تمكن من قتل جالوت أو جوليات الفلسطيني الضخم. وعلى غرار معظم الأفلام الأمريكية التي نادراً ما تخلو من نفوذهم وتدخلاتهم يجري عرض الشرير في صورة العابث الضخم الذي سرعان ما ينهار أمام قوة البطل. جاءت الصحافة العالمية لتصف إسرائيل بأنها جالوت وفقد الإسرائيليون صوابهم وتساءلوا: كيف تسرق منا صورة دأبنا على ترويجها لحسابنا؟
ولكن كيف يمكن تصديق عكس ذلك والقوة العسكرية الإسرائيلية كانت عارمة واستخدمت أسلحة محرمة في مواجهة المدنيين العزل.
والأرقام – وهي اللغة التي يقرؤها الغرب – جاءت دليلا دامغا على الجريمة. حاول الإسرائيليون الخروج من المأزق بالترويج لفكرة قيام "حماس" بقتل الفلسطينيين! وأنها تعدم كوادر فتح وتطلق الرصاص على أرجلهم! وكان من أبرز الأخطاء الإعلامية التي يتحدث عنها الإعلام الإسرائيلي في معرض التبرير والدفاع والاستنكار لأخطائهم ما فعلته وزيرة الخارجية ليفني عندما صرحت بأنها اتصلت بالرئيس بوش وسحبته من محاضرة كان يلقيها لتغيير تصويت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة" وهو دليل قاطع على قيام وحش قاتل بالسعي لتبرير جرائمه والهروب من عواقبها. بدأ الإسرائيليون فتح خزائنهم القديمة لإخراج الادعاءات والاتهامات المزيفة عن تصاعد نغمة "معاداة السامية" وهي المحاولة الفاضحة التي ترمي إلى تكريس فكرة أن اليهود هم الساميون وغيرهم ليس كذلك وهذا تزييف صارخ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي