دور المرأة في المسلسلات التاريخية
تابعت خلال الشهر المبارك الماضي عددا من حلقات المسلسلات السورية التاريخية التي تعرض يومياً عصراً ومساء في عدد من الفضائيات مثل مسلسل باب الحارة ومسلسل بيت جدي وغيرهما، ولقد جاءت متابعتي ليس بسبب اهتمام شخصي بمتابعة المسلسلات، بل للبحث عن إجابة لسؤال يدور في ذهني وهو : ما محتوى هذه المسلسلات التي استطاعت أن تجذب اهتمام شريحة واسعة من أفراد المجتمع، خاصة فئة الشباب من الذكور؟
وللتعرف على محتوى هذه المسلسلات واستجلاء أسباب جذبها لكثير من الفئات فقد استخدمت المعايير التربوية بسبب ارتباطها بتخصصي وخبرتي في الميدان التربوي, ولعدم معرفتي بمعايير نقد الأعمال الفنية التاريخية. وحقيقة وجدت أن هذه المسلسلات بوجه عام تبث في مشاهدها كثيراً من القيم الاجتماعية والتربوية التي حث عليها ديننا الحنيف مثل احترام الكبير ورعاية الجار، حشمة المرأة وعدم تبرجها عند الخروج من منزلها، والشهامة والخوف على المرأة وحمايتها، الإخلاص والتفاني في العمل، والتآزر في السراء والضراء على المستويين الفردي أو المجتمعي. كل ذلك نقاط إيجابية تضاف إلى رصيد هذه المسلسلات فيما يخص بمساهمتها في الرقي بالأخلاق وبالفكر والسلوك الاجتماعي والحفاظ على تراثه عاداته وتقاليده الحميدة من الاندثار.
كما اشتملت بعض حلقات المسلسلات على مشاهد تؤكد على أهمية العمل اليدوي والأعمال الحرفية مثل العمل في النجارة والحدادة والمخابز وغيرها، وضرورة الإخلاص والتفاني والصبر على هذا النوع من الأعمال من أجل لقمة العيش، وهذه أيضاً من المشاهد التربوية التي أضحت غائبة عن مسلسلاتنا الخليجية. على الرغم من حاجتنا الشديدة إليها في الوقت الحاضر.
أما عن دور المرأة في المجتمع فقد صورت المسلسلات السورية التاريخية المرأة في دورين لا ثالث لهما: أولهما: دور متكرر يظهر في كثير من الأحداث هو دور المرأة ربة البيت المطيعة التي تقوم على راحة أسرتها وتطبخ وتكنس وتطيع سيد المنزل أباً كان أو زوجاً، وثانيهما: دور ثانوي يظهر بين الحين والآخر هو دور المرأة الخاطبة الثرثارة أو القابلة التي تتولى القيام بالتوليد ومعالجة النساء والخطبة معاً إما لكسب الزرق أو لكونها ورثت أصول المهنة عن أمها أو إحدى قريباتها، فهل يمكننا أن نفسر أن الأدوار المحدودة للمرأة في الحياة الاجتماعية التي عبرت عنها المسلسلات السورية التاريخية على اختلاف قصصها ما هي إلا انعكاس للواقع الاجتماعي آنذاك، ولذلك حرص القائمون على هذه المسلسلات على تصوير الواقع كما هو؟. أم أن هذه الأدوار هي الأدوار التي يرغب المشاهد العربي أن يشاهد المرأة تمارسها، فمن المؤسف أنه في بداية كل حلقة كنت أتوقع أن أرى أحداثا ومشاهد أخرى غير هذين الدورين تتضح فيها مشاركة المرأة في مجالس المشورة ومجالس الخطبة ومجالس الصلح التي يعقدها الذكور من وقت إلى آخر على مستوى الحارة أو على مستوى العائلات، لكن ذلك لم يظهر إطلاقاً، بل على العكس كانت قرارات هذه المجالس ملزمة للمرأة بتنفيذها، حتى وإن كانت تضر بمصالحها حاضراً ومستقبلاً، ومنذ مدة أطلعت على نتائج دراسة في صحيفة "الاقتصادية" في عددها (5276) بتاريخ 22/3/2008 تفيد بأن (53 في المائة) من الرجال الذكور في السعودية يرفضون عمل المرأة بعد الزواج. ويفهم من ذلك أنه لا يزال في المجتمع السعودي نسبة غير قليلة تعارض عمل المرأة، لأسباب قد تكون منطقية وقد تكون عائدة لمفاهيم خاطئة واتجاهات سلبية عن عمل المرأة، وكلنا ندرك الدور الكبير الذي يقوم به الإعلام في التأثير على اتجاهات وقيم الأفراد، لذا أخشى أنه نتيجة متابعة مثل هذه المسلسلات التي يتابعها شرائح واسعة من أفراد المجتمع أن تزيد معها نسبة الرجال الذين يرغبون في أن تمارس المرأة هذه الأدوار المحددة في المجتمع، ظناً منهم أنها هي الأمثل.
ومع قناعتي التامة أن دور ربة البيت من أعظم وأنبل الأدوار التي تمارسها المرأة، لكن في الوقت نفسه متطلبات التنمية المجتمعية في القرن الـ 21 تستلزم أن تشارك المرأة في الحياة العامة وفق الضوابط الشرعية، لذا آمل أن من القائمين على هذه المسلسلات ذات الإقبال الجماهيري الكبير في شهر رمضان المبارك بالتقليل قدر الإمكان من المشاهد التي تظهر فيها المرأة وهي تمارس أدوارا محدودة في حياة المجتمع في الزمن الماضي أو الحاضر، الأمر الذي يدعم الجهود التي تقوم بها وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمسموعة في تطوير نظرة المجتمع عن عمل المرأة خارج المنزل وأهمية مساهمتها في تحقيق التنمية الاجتماعية.