لماذا تقرأ الرواية؟
بمسح بسيط على أقسام المكتبات في المنتديات ولن تحتاج بعدها إلى التفكير حول التوجه الطاغي على قراءة الشباب طويلاً، لأنك ستعرف مباشرة أن الروايات استحوذت على النسبة الكبيرة من قراءات فئة الشباب بشكل أكبر.
لابد وأن قارئ الروايات مر عليه الكثير من قارئي الكتب يسألونه "وما الذي ستستفيده من قراءة الروايات؟ اقرأ كتاباً وستجد فيه فائدة أكبر"، كنت من قبل أظن هذا صحيحاً، وكنت أنصح بعض القراء حولي الذين غرقوا في قراءة الروايات بأن يقرؤوا الكتب إضافة إليها، لكن حين فكرت في الأمر بشكل جدي وجدته أبعد مما كنت أتصور.
كانت لدي زميلة، نسبة كبيرة جداً من قراءاتها روايات، أما النسبة القليلة الباقية منوعة بين السير الذاتية والشعر، وزميلة أخرى أيضاً النسبة الأكبر من قراءاتها روايات، ولكنها تخصص أيضاً جزءا من قراءاتها للكتب التراثية، وبعض التوجهات الأخرى، لكن الأولى حين أستمع إليها وهي تتحدث عن أحد الأعمال الروائية تشعرني بأنها قد قرأت الرواية بعمق وفهمت مغزاها ورسالة الكاتب فيها، ولو أني طلبت منها توصية لروايات تحمل مفهوما معينا لأعدت لي قائمة بتفاصيلها، في المقابل، فإن الزميلة الأخرى لا تتحدث عن أي عمل إلا كي تعلق بأنه أعجبها أو العكس، أو تعلق على الترجمة بأنها كانت جيدة أو سيئة، وحين أحاول استدراج ذاكرتها لشيء من الكتب التراثية أو الشعرية أو الفكرية التي قرأتها، فإنها لن تتذكر إلا ما قرأته من قريب، وستنساه بعد ذلك أيضاً.
فهل هاتان القارئتان ينطبق عليهما ذات الحكم في السؤال حول الدافع لقراءة الروايات دون الكتب والدعوة للاستزادة بالكتب، إضافة إلى الروايات؟
بالتأكيد لا، فالأولى لأنها فهمت الرواية، وتجاوزت مفهومها لديها عن أنها فقط حكاية بأحداث، عرفت كيف تستخرج المفهوم، فبالتالي هي قارئة واعية، ولذا فإنها سواء أقرأت كتاباً أم رواية ستفهم، وفهمها يعني أن يبقى في ذاكرتها أيضاً، وبهذا الفهم وهذه الذاكرة هي توسع من مداركها وثقافتها ومن عقلها المتلقي أيضاً.
أما بالنسبة للثانية فحتى لو قرأت آلاف الكتب ما دامت لم تستطع تجاوز حتى رواية واحدة لتخرج منها بمعنى خارج عن المباشرة في الرواية كونها قصة بأحداث أحياناً نتأثر بها، فلن تستطيع أن تعي ما في الكتب، وكل ما تفعله الآن هو أنها تسلي وقتها بالحكايات، وتبحث عن فضولها في القليل من الكتب.
لست هنا بصدد الحكم بناء على القدرة على النقاش، هناك دلائل واضحة تبين مدى وعي القارئ بالمقروء، خاصة أن القراءة هي تهذيب للغة وللحوار وللعقل.
ولكن قارئ لم يستطع أن يفهم معنى ورسالة غير مباشرة، حتى لو لم تكن ذاتها التي أراد الكاتب لها أن تصل، شخص رأى أن الرواية هي للمتعة فقط، لن يستفيد أبداً من قراءة الكتب، وكل ما يفعله هو أنه يضيع وقته عن البحث في هوايات أخرى قد يبرع بها، حتى إنك تجده مع السنوات لم تغير فيه القراءة شيئاً.
الرواية نعم تتميز عن الكتب كون أن ثمة متعة مصاحبة لها، على الرغم من أن الكتاب يقدم فائدة أكبر، لكن إن قرأ القارئ الرواية بوعي سيعرف أنها أكثر من مجرد حكاية!