الزلزلة (2 من 2)
أرسل لي الأخ الفاضل أبو رتيمة من غزة يومياته وملاحظاته عما حدث في كارثة غزة في مطلع شتاء 2009م، بنفس الوقت وقعت تحت يدي مجلة "در شبيجل" الألمانية العدد 5 من عام 2009م بعنوان هل الدفاع عن النفس مبرر إلى ما لانهاية يقصدون به حسب تعبير السياسيين فرط استعمال القوة، ومما قالوا إن الفرق بين المتحدث الإسرائيلي والفلسطيني كان بلغة إنجليزية ضعيفة، مقابل الصهيوني (مارك ريجيف) بلسان إنجليزي منافق خال من الانفعال يبرر القتل الجماعي بين 13 ضحية من إسرائيل مقابل 1300 من الفلسطينيين؟!
ولكن أجمل ما جاء في التقرير قصة الدكتور أبو عيشة الفلسطيني الذي يعمل في إسرائيل، وخسر بناته الثلاث الشابات بيسان 20 عاما ومايار 15 وآية 13 عاما، وكان يرسل آلامه وصرخاته مباشرة على الهواء من قناة إسرائيلية، إلى مئات الآلاف من العائلات الإسرائيلية؛ فأحدث ضجة في إسرائيل أكثر من كل الحرب، قالوا له كان من بيته إطلاق نار قال كانت بناتي تطلق الابتسامات والحب والسلام فكافأتموهن بالموت؟
فغادر المذيع الإسرائيلي الاستوديو يبكي.
قال الطبيب الفلسطيني عسى أن تكون بناتي هن ختام الموت وحمامات الدم في هذه الأرض.
وأعود إلى قصص أبو رتيمة اليوم حتى أختم تقريره من غزة.
تابع أبو رتيمة يقول:
(3) خاب أملي في الأشقاء العرب والمسلمين، وأدركت أن الشقة لا تزال بعيدة بينهم وبين التحرر من الأغلال, وأسفت على سذاجتي حين كنت أتصور أن الصهاينة يحسبون حساباً لهذه الشعوب، وأن عدوانهم لن يتجاوز مستوى محدوداً خشية استيقاظ الأمة، حتى إن كل المشاهد القادمة من غزة لم تعد كافية لإحداث صدمة في وعيها وأنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الجرعات.
(4) لم أكن أتصور حتى في أبشع كوابيسي أن لنا أعداء آخرين غير الصهاينة من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا وأن مصابنا هو من عند أنفسنا.
(5) أدركت كم السياسة كاذبة ومنافقة إلى حد القرف، وكم الحضارة الغربية عديمة الأخلاق والقيم ، وعلمت أن مناداتهم بالديمقراطية وحقوق الإنسان ليست أكثر من شعارات زائفة، فهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها من أجل قتل إسرائيلي معتد أو إصابته بالهلع، بينما يعتبرون إبادة شعب كامل حقاً مشروعاً للدفاع عن النفس، لا يستحق جلسة طارئة لمجلس الأمن إلا حين تأذن أمريكا بذلك.
(6) أدركت أكثر من أي وقت مضى مدى عجز الصهاينة و إفلاسهم، وكم هي خياراتهم محدودة وإن امتلكوا أعتى الأسلحة،كما هو حال أصحاب الباطل دائماً، وفهمت قوله تعالى "ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين" فهماً سننياً, صحيح أنهم يقتلون ويدمرون ويحرقون، لكنهم لا يستطيعون فعل أكثر من ذلك إذا اصطدموا بفئة مؤمنة تقاتل عن حق, فسبب اندحار الباطل ذاتي لأنه باطل كما أن علة ظهور الحق ذاتية.
(7) استبشرت خيراً أن الله يهيئ غزة وفلسطين لأمر عظيم, وأن هذه المحنة ليست سوى محطة لتمحيص الذين آمنوا وصقل نفوسهم, لأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم, وقد رأيت من نماذج التضحية والثبات, والتكافل بين الناس والمسارعة لفعل الخيرات ما أثلج فؤادي وأفرح قلبي، فازددت اعتزازاً بالانتماء لهذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، وعلمت أن هذه الحرب تخفي في طياتها معنى من معاني هذه البركة بزلزلتها للمبادئ والأفكار وكشفها حقائق النفوس والمجتمعات ، وإثارتها كوامن الخير أو النفاق، ليس في فلسطين وحدها وإنما في العالم كله.