تأملات في نتائج الانتخابات الإسرائيلية
لست ممن يعطون اهتماما كبيرا لنتائج الانتخابات، خاصة في الدول التي تناصب بلادنا العداء. ذلك أن تغيير الأشخاص أو الأحزاب رغم ما يصاحبه من صخب إعلامي، وتكهنات وتخمينات وتوقعات لا يعني الكثير. فأهم ما يحدد سياسة العدو تجاهك عدة أمور على رأسها:
- مدى ضعفنا أو قوتنا.
- حجم المساندة الدولية العامة والخاصة التي يحظى بها.
- الموقف الداخلي، خاصة الأحوال الاقتصادية.
وهناك اعتبارات أخرى كثيرة، غير أن الإسرائيليين الذين يقتاتون على الإيهام الإعلامي يبالغون في تصوير مدلولات انتخاباتهم. لذلك فنحن قد تعودنا على مصطلحات على شاكلة الحمائم والصقور وهذه أسطورة مضحكة لأن الساسة يتعاملون بمبدأ توقيت التمدد والانكماش when to fold and when to hold. وحمائم قضية هم صقور قضية أخرى وحمائم اليوم هم صقور الغد. وليس أدل على صحة ذلك من متابعة أقدار حزب مثل حزب العمل. فهو الحزب الذي أنشأ دولة إسرائيل وظل يحكمها ثلاثين عاما وقادها في حروب 1948 و1956 و1967 و1973، والتي شهدت جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية، ومع ذلك يصفه مهرجو الإعلام الصهيوني بالحزب المعتدل، وقد أثبتت الانتخابات الأخيرة أن هذا الحزب قد دخل مرحلة الشيخوخة. رغم أن زعيمه إيهود باراك يعتبر من أبطال إسرائيل، وتاريخه الإرهابي "عندما قتل الزعماء الفلسطينيين في بيروت بعد أن ارتدى ثوب امرأة" يجعله حاملا وسام التفوق، مع كل ذلك لم يحصل إلا على أحد عشر مقعدا وقد شغل مناصب مهمة منها وزير الدفاع ومع ذلك انفض الناخبون عنه.
والملاحظ أن الأحزاب التي ترفع شعارات محافظة متشددة قد تفوقت على حزب العمل (الماباي سابقا) فحقق حزب كاديما الذي يحكم الآن بقيادة تسيبي ليفيني 28 صوتا بينما حقق ليكود نتنياهو 27 صوتا وحصل حزب أفيجدور ليبرمان "إسرائيل بيتنا" على 15 صوتا.
هذه الأرقام تثير عواصف من التوقعات حول الحكومة الائتلافية المتوقعة وما هو دور الأحزاب الدينية (شاس) في الائتلاف وقبل ذلك من يأتلف مع من؟ وعلى أية أسس وتنازلات وتوزيع للحقائب؟ وليس سرا أن الحملة العسكرية التي شنتها تسيبي ليفني على قطاع غزة كانت لعبة انتخابية أرادت أن تقول بها إنها جولدا مائير الجديدة، ولكن أحلامها تبددت بما حققه نتنياهو من نجاح. والقراءة الهادئة للنتائج تقول إن المجتمع الإسرائيلي يعاني أشد المعاناة عدة مشاكل:
- المشاكل الاجتماعية الخاصة بالزواج والطلاق، وقد لعبت دورا يفوق كل ما قيل عن الحرب والسلام.
- المشاكل الاقتصادية لأن الإسرائيليين – ورغم بلوغ متوسط دخل الفرد 18.000 دولار إلا أنهم يعتبرون ذلك فقرا شديدا فهم في النهاية مجتمع أوروبي تتجه طموحاته وتطلعاته إلى أوروبا ولهذا فهم ما زالوا بعيدين عن الرخاء.
- الشعور بعدم الأمن فقد اضطرت إسرائيل إلى الحرب 2006 و2008 لأسباب انتخابية، ومع ذلك أدرك الإسرائيليون أنه مهما طال بهم الوقت، فهم مغادرون في النهاية، ولعلهم يقرأون خروج الصليبيين بعد مائة سنة وسنة في عهد محمد بن قلاوون السلطان المملوكي.
وأكدت النتائج عدة أمور هي:
- أن هناك كتلة سياسية جديدة برزت يمكن تسميتها يمين الوسط تسيطر الآن على السياسة الإسرائيلية، ويرى المراقبون أن هذه الكتلة ستستمر لفترة طويلة، لن تقل عن فترة هيمنة العمل برموزه القديمة بن جوريون وليفي إشكول وبنجاس سابير وجولدا مائير وإسحاق رابين وإيحال أللون ... وغيرهم.
- أن اليمين الديني والمحافظ الذي يتهم المسلمون بأنهم فكوا عقاله، يهيمن فعلا بأفكاره التسلطية والإرهابية على الساحة السياسية.
- أن تعدد الأحزاب شيء وتقارب السياسة شيء آخر، فرغم كل المسميات فإن أفكار شاس وإسرائيل بيتنا وكاديما والليكود وغيرهما متطابقة في القضايا "الوطنية والدينية واليمينية".
- أن عهد الزعماء الكبار قد انتهى، وأن المجال مفتوح تماما لقيادات متوسطة المستوى تقع في أخطاء كثيرة، فنتنياهو مثلا رفض مناظرة ليفني تلفزيونيا وكانت النتيجة خسارته أصوات لمصلحة ليبرمان.
- أن الشحن الإعلامي المعادي للعرب زاد من رصيد اليمين خاصة بعد إحباطات حروب 2006 و2008 وانتفاضة الأقصى، أما أكبر أخطاء ليفني فهو توجهها لاستقطاب اليسار وهو الملعب التقليدي لحزب العمل، فضلا عن خطأ عدم قدرتها على تشكيل حكومة عندما استقال أولمرت في أيلول (سبتمبر) 2008 إلى جانب أن حزبها اشكنازي يغازل اليهود الغربيين على عكس الليكود معقل السيفارديم أو اليهود الشرقيين الذين نفروا من ليفني وتوجهوا إلى شاس وإسرائيل بيتنا والليكود كما أشرنا.
- كسبت ليفني عداء الدينيين – فضلا عن كراهتهم لها من البداية لأنها امرأة والمعروف أن هؤلاء كانوا دائما القوة الخفية وعامل الترجيح في حكم إسرائيل.
وأبرز ما توقعه الخبراء بعد قراءة النتائج الانتخابية أن إسرائيل ستجد صعوبة في تسيير واشنطن على هواها كما فعلت في عهد بوش لأن أوباما أعلن صراحة أنه سيركز على فض الاشتباك والتوصل إلى حلول جوهرية – ربما دائمة – بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو أمر لن يسعد اليمين المسيطر الآن.
ويعلق الإسرائيليون آمالا على استمرار صراع فتح وحماس لأن محاولة مصالحتهما ستأخذ كثيرا من جهد أوباما والأطراف الوسيطة في المنطقة.
ولكن الورقة الكبرى التي يزمع الإسرائيليون استثمارها هي تخويف واشنطن من مشاريع إيران النووية، ومن ثم دفعه إلى زاوية واحدة هي التحالف الكامل مع إسرائيل ومن ثم تنفيذ أجندتها.
كلمة أخيرة وهي أنه في أعقاب أية انتخابات تتصاعد نغمات تتباين بين الأمل واليأس والتفاؤل والتشاؤم، غير أن بيت القصيد يتمثل في أهمية تقوية أنفسنا، وعندئذ لن يهمنا كثيراً إن جاء كوهين أو شاؤول.