الزلزلة (1 من2)

أرسل لي الأخ أبو رتيمة من غزة وكان شاهدا على الأحداث في شتاء 2009م هذه الأفكار السبعة عظة للمؤمنين وموعظة للغافلين؛ قال فيها:
" لا أجد كلمة أعبر بها عن تجربة أيام الحرب الثلاثة والعشرين في غزة أصدق من كلمة الزلزلة، ليس لمشاهد الدمار الهائل الذي يفوق في شدته آثار زلزال من أعلى درجات مقياس ريختر، ولكن لأن هذه الحرب أحدثت زلزلة في الأفكار والقناعات، حتى استحالت المحنة إلى منحة تمايز فيها الخبيث من الطيب، وفقاً للحكمة الإلهية. عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيرا".
وعندما أتأمل الخير الكثير الذي يختفي وراء الركام والدمار أحمد الله أنه لم يكلنا لأنفسنا، وأنه هو من يدبر الأمر لما فيه صلاحنا.
(1) مع الضربة الجوية الأولى في تمام الحادية عشرة من صباح السبت السابع والعشرين من كانون الأول 2009م ومع أكثر من مائتي شهيد رحل الداعية والخطيب الشيخ نظير اللوقا، الذي كان لروحي بمنزلة الغذاء والدواء، حيث كان في مهمة إصلاح بين عائلتين في أحد مقرات الشرطة..
الشيخ نظير هو أهم إنسان في حياتي الفكرية على الإطلاق، وقد كنت حريصاً على ألا تفوتني خطب الجمعة والأعياد عنده، حتى إن عدد الجمع التي لم أصلها في مسجده منذ نشأتي وحتى استشهاده تكاد لا تتجاوز العشرين..
كنت وأصحابي نتعجل انقضاء الأسبوع ونحن ننتظر قدوم الجمعة لننهل من معين فكره وثقافته ونستمع لمواقفه من الأحداث، فإذا قضيت الصلاة ظلت كلماته حديث مجالسنا..
دفعني رحيله المفاجئ للتساؤل: لماذا يرحل هذا الصنف من الناس في اللحظة التي نشعر أننا أحوج ما نكون إليهم فنبقى كالأيتام من بعدهم؟ لماذا يبدو المشهد في بعض الأوقات وكأن الدنيا تضيق بالطيبين والصالحين فتستعجل إزاحتهم بينما تمنح أوقاتاً إضافية للمجرمين والفاسدين للتنعم فيها؟؟
هداني ربي إلى أن ثمة علاقة بين هذا الأمر وقانون التوحيد الذي قامت السماوات والأرض عليه, فخط سير الأحداث في هذا الكون يتجه نحو تحقيق التوحيد ،والله يسير الأحداث في حياة عباده لتساعدهم على التخلص من الارتهان لغيره من الأشخاص والهيئات والصور، مهما علا شأنها وعظم أثرها، حتى تظل قلوبهم معلقة به وحده، وربما نزع الله من حياتنا أعز الناس على قلوبنا، لتتحرر من التعلق بهم وتبقى خالصة له وحده، وهذا هو مفهوم القلب السليم الذي ذكره القرآن، وضرب له مثلاً إبراهيم عليه السلام الذي استعد لذبح ابنه بيده، بعد أن خلا قلبه من كل أحد غير الله.
(2) رأيت المباني والمصانع والمزارع التي أفنى أصحابها سنين عمرهم في إنشائها تنهار في ثوان معدودة, فأدركت كم هي الدنيا هينة.. ينفق الإنسان عليها كل عمره وجهده وماله ثم في لحظة واحدة تصير هباء منثوراً؛ فيقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها. وأدركت أن الضمانة الوحيدة لراحة الإنسان وعدم انهياره أمام الصدمات هي أن يخرج الدنيا من قلبه، ويتقلل منها، وأن يوطن نفسه على الثبات عند المصائب وإن عظمت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي