البروتين الغادر في مناعة الجسم ضد مرض الإيدز
من أعجب المعلومات الطبية التي وصلتني من الباحث بشار غوجل من جامعة مونتريال عن فيروس الإيدز أن سره في حامض أميني واحد هو الأرجينين؟
قال الباحث السوري: من المعلوم أن فيروس نقص المناعة المكتسبHIV لا يصيب إلا الإنسان والشمبانزي بين جميع الثدييات في حين أن بقية الفصائل الحيوانية تمتلك مناعة طبيعية ضده؛ فعلى سبيل المثال فإن جميع أنواع القرود المصنفة ضمن ما يسمى قرود العالم القديم Old world monkeys منيعة ضد الفيروس!
بقي لغز هذه المناعة محيرا العلماء حتى عام 2004 عندما قام فريق من جامعة هارفارد بإدارة جوزيف سودروسكيSodroski J. بكشف بروتين يدعى Trim5? ( ترم فايف ألفا) كسبب رئيسي في مناعة القردة ضد فيروس نقص المناعة HIV .
المثير في الأمر أن البروتين المذكور موجود عند الإنسان كما هو عند بقية الثدييات، غير أن النسخة الموجودة عن بني البشر، غير فاعلة في صد فيروس نقص المناعة، في حين أن نفس البروتين يمنع إصابة بقية الثدييات من غير الإنسان بالفيروس.
هنا تبدأ الإثارة في قصة بروتين المميز Trim5? الذي بدأ كشفه سباقا محموما لكشف الآلية التي يعمل بها، والبنية الجزيئية التي تجعل منه سدا منيعا عند جنس معين، و أداة غير فاعلة عند آخر. أولى الدراسات التي بدأت بحل اللغز اعتمدت على مقارنة بين البروتين عند البشر ونفس البروتين عند قرود الريسوس Rhesus Monkeys المنيعة ضد الفيروس.
ظهرت اختلافات بسيطة في وجود أحماض أمينية معينة عند الإنسان، لا تشبه مثيلتها عند القردة. وبعد تمحيص وتحليل تبين أن وجود حمض أميني واحد وهو (الأرجنين) Argenin في الموقع ??? عند البشر، يمنع هذا البروتين من صد فيروس نقص المناعة عند الإنسان؟!
إذ عندما قام الباحثون بإزالة هذا الحمض الأميني، أو استبداله بحمض أميني آخر في البروتين البشري اكتسب Trim5? ذو المصدر البشري، القدرة على صد فيروس نقص المناعة في الخلايا البشرية، وهو أمر يقف أمامه المتأمل من أهل الاختصاص بخشوع.
فلو أن الصيغة الإنسانية لهذا البروتين احتوت على أي حمض أميني غير ذلك الآرجنين، لربما ما سمعنا بمرض الايدز ولا كنا معرضين له.
ولكن في الجهة المقابلة لا أحد يعلم لماذا نحمل هذه الصيغة المميزة لهذا البروتين بهذا الشكل؟ فالأمر ليس عبثا وخبط عشواء!! فهل أفادتنا صيغتنا المميزة هذه عبر التاريخ؟ وأنقذت أسلافنا من جائحة؟ كان من الممكن أن تكون نهاية الجنس البشري؟
ربما! ولكن الأهم الآن هو هل بالإمكان الاستفادة العملية من هذا الكشف؟
هل يمكن تحييد هذا الحمض الأميني ذو الشحنة الموجبة بشكل ما، أو دواء ما، بشكل يجعل من البروتين البشري قادرا على صد فيروس نقص المناعة؟
هذه أمور تمثل محاور الأبحاث الحالية في هذا المجال.
ويجدر الذكر هنا أن هذه هي ليست الحالة الأولى في المجال الطبي، التي يتسبب فيها تغير حمض أميني واحد في إحداث أثر هائل في العضوية؛ فمثلا يسبب تغيير الحمض الأميني (غلوتامين) إلى (فالين) في بروتين الهيموغلوبين عند البشر بمرض فقر الدم المنجلي!
وسواء كان هذا المرض أو ذاك إلا أن العبرة تبقى في أن ذرات وجزيئات صغيرة تحدث أثرا كاملا وهائلا على مستوى العضوية!
وأمام نفحات الخلق هذه لا يسع المرء إلا أن يقف بخشوع، متأملا في مدى عظمة الحياة وهشاشتها في الوقت نفسه! ومتفكرا في الروعة والجمال بين التعقيد الهائل والبساطة المبهرة.
آية كبيرة في معنى الوظيفة والغاية، وقيمة الأداء بغض النظر عن الحجم والمظهر.