لماذا معظم دول العالم تناصر الدولة المعتدية؟ (1 من 2)

ما الذي يحدث من حولنا وفي محيطنا ونحن منشغلون بأنفسنا وبمهاتراتنا وبمعاداة بعضنا بعضا؟ وهل من المعقول أن نظل نشاهد الدول الكبرى وهي تتسابق لتأييد سياسة الدولة الصهيونية اللئيمة، ودخان مدافع العدوان لا يزال عالقاً في سماء غزة المنكوبة، والدمار الذي أحدثته الصواريخ والمدافع المشؤومة لم يُزل بعد من الأرض، ولا نحرك ساكناً؟ يا أمة البشر، منْ الذي يحتاج إلى حماية، المعتدِي أم المُعتدَى عليه؟
إنها الدعاية الصهيونية المظللة التي أوهمت العالم بأنها ضحية لصواريخ المقاومة الفلسطينية التي تطلقها عشوائياًّ على ما تدَّعي إسرائيل "المدنيين الإسرائيليين الآمنين"، ونحن نعلم، مثلما أن أصحاب التضليل يعلمون، أن خمسة آلاف صاروخ التي تزعم إسرائيل أنها سقطت على مستوطناتها خلال السنوات الماضية، لم تقتل إنساناً واحداً، وأنها لم تكن على الإطلاق السبب الحقيقي لشن العدوان، ولكنّها كانت الذريعة التي كانت تنتظرها إسرائيل. وأن صاروخاً واحداً مُوجَّهاً من الصواريخ التي تطلقها دولة العدوان على مدن غزة يقتل العشرات من الأبرياء ويدمِّر البيوت والمنشآت، فأين المقارنة؟ والمصيبة أننا رغم كثرتنا وضخامة إمكانياتنا المالية والإعلامية لم نستطع توصيل هذه المعلومة إلى العالم، لسبب بسيط وهو عدم اتفاقنا كأمَّة وتكريس جهودنا لصالح القضية. ومنا منْ كان راضياً بهذا العدوان والدمار على فظاعته، متمنياً أن يضع نهاية لحركة حماس، على الرغم من أنهم يعلمون عِلم اليقين أنها تمثل الأكثرية من الشعب الفلسطيني. و"حماس" لم تأت بجديد ولا تطلب المستحيل، فكل ما تقوله هو: كفى تنازلات من جانب واحد.
ولعل المثال التالي يعطي صورة أوضح عن مدى نفوذ الدعاية الصهيونية في العالم. فقد تحدث الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز منذ أيام في إحدى جلسات منتدى دافوس الاقتصادي الأخير الذي عُقد في سويسرا، عن عدوان غزة، فأسهب وأطال ولوَّح بيديه من شدة التأثر والحماس والتشنج أحياناً، مع رفع الصوت من وقت لآخر، وكأنه يخاطب مجموعة من الطلبة المشاغبين، محاولاً تبرير العدوان وقتل الأبرياء وتدمير البيوت والبنية التحتية لمدن بأكملها. وذكر بوقاحة متناهية أن هدفهم من العدوان هو تأديب قادة حركة المقاومة في غزة، وعقاباً لهم على إرسالهم الصواريخ التي كانت تسقط في وسط الفيافي والقفار. حتى إنه عمد أثناء مداخلته إلى قراءة تصريح لأحد مسؤولي السلطة الفلسطينية يتهم فيه حركة حماس بأنها حركة إرهابية إجرامية، وأنها كانت تعدم أفراداً من أهل غزة خلال أيام العدوان، ويتباهى بقوله: انظروا أيها العرب، أنتم تدينون "حماس" كما نفعل نحن، إذا نحن على حق. كل ذلك كان إمعاناً في التضليل وفي توسيع رقعة الخلاف بين الإخوة. ولم يذكر بيريز أيَّ شيء عن الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة لمدة 18 شهراً، وإغلاق المعابر وتجويع أهل غزة حتى الموت.
 وزعماء إسرائيل يعترفون ضمنياًّ بأن أفعالهم في غزة لم تكن إنسانية وأنهم يستحقون المحاكمة أمام المحاكم الدولية، بدليل محاولاتهم اليائسة لإخفاء أسماء المجرمين من قيادات الجيش الإسرائيلي الذين ارتكبوا المجازر أمام وسائل الإعلام العالمي، إضافة إلى حشد عدد كبير من المحامين المتمرسين للدفاع عن مرتكبي الإجرام في حالة اقتيادهم إلى المحاكم الدولية.
والشاهد هنا أن معظم منْ كانوا في قاعة المنتدى صفقوا لبيريز بحرارة عند ما انتهى من إلقاء كلمته الحماسية، ونسوا أو تناسوا فظاعة أعمال دولته الإجرامية في حق أهل غزة من النساء والأطفال، وهو ما أزعج ذلك الرجل الطيب الغيور الرئيس التركي، رجب أردوغان وآثار حميته، مما حدا به إلى طلب التعليق على ما تفوه به بيريز من الكذب والمغالطات، وباقي القصة معروفة. ولذلك تفسير واحد، وهو قوة الدعاية الصهيونية التي ترتكز على فكرة أن دولة إسرائيل محاطة بالأعداء وأنها مهددة بالزوال إذا لم تدافع عن نفسها بهذه الطريقة البشعة. وبطبيعة الحال فإن نجاح خداعها للعالم يؤكد فشل إعلامنا ضد أفعالها غير الإنسانية. 
وإنه لمن المخجل للدول الغربية التي تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان، أن يجردوا أنفسهم من صفة الإنسانية ويعقدون الاجتماعات والمؤتمرات لكي يناقشوا خلالها السبل والطرق التي يساهمون بها لإنجاح الحصار الصهيوني على أهل غزة، لإيقاف ما يسمونه تهريب السلاح. وفي الوقت نفسه، يرددون ادعاءات إسرائيل أن حماس مؤسسة إرهابية، لأنها لا تعترف بوجود الدولة الصهيونية، وبذلك يكونون قد اختزلوا قضية فلسطين التي مضى عليها أكثر من 60 عاماً، شرِّد خلالها الملايين وقُتل مئات الألوف واحتلت الأرض بأكملها، ولا بقي حتى تُعاد الأمور إلى نصابها إلا اعتراف "حماس" بإسرائيل، وهو إجراء لا يقدم ولا يؤخر.
والمتتبع لما يبثه الإعلام الإسرائيلي قبيل حلول وقت الانتخابات من الصفة السيئة للدعايات الانتخابية التي يطلقها المرشحون، يجعل المرء يحكم على هذه الدولة الدخيلة أنها دولة شرِّ وعدوان. فالمرشحون، في الدول المتمدِّنة التي تسعى إلى تحقيق السلام، يبنون برامجهم الانتخابية على مبادئ الإصلاح والتنمية الاقتصادية ورفع مستوى التعليم وإحلال السلام بينها وبين الآخرين. أما مرشحو الأحزاب الصهيونية فلا تسمع منهم إلا التهديد والوعيد بشن أبشع أشكال العدوان على شعب أعزل ومطرود من أرضه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي