القطاع المصرفي في خدمة المجتمع

احتضنت مدينة الرياض فعاليات ملتقى الشراكة والمسؤولية الاجتماعية بين القطاع العام والقطاع الخاص خلال الفترة من الأول إلى الثالث شباط (فبراير) من العام الجاري، تحت شعار "مجتمعنا.. مسؤولياتنا"، الذي أقامته وأشرفت على تنظيمه وزارة الشؤون الاجتماعية.
من بين الأسباب الرئيسية التي دعت إلى تنظيم ذلك الملتقى، استشعار وزارة الشؤون الاجتماعية عن بعد للاهتمام المتزايد لمفهوم المسؤولية الاجتماعية في السعودية خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح مفهوم المسؤولية الاجتماعية، يلعب دورا مهما وأساسيا في خطط الشركات الاستراتيجية وفي محاولتها الجادة لتعزيز دورها الإنساني في مجال خدمة المجتمع، لا سيما أن وعي الشركات أصبح يقاس بمدى فهمها ووعيها وإدراكها التام لمسؤولياتها الاجتماعية تجاه أفراد المجتمع.
من بين الأسباب كذلك التي حدت بوزارة الشؤون الاجتماعية لتنظيم مثل ذلك الملتقى، التأكيد على أن الشركات التي تعمل في القطاع العام والقطاع الخاص، ليست معزولة عن المجتمع، وأنها جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، الذي يؤثر ويتأثر بما يدور من حوله من أحداث ومن متغيرات، الأمر الذي يفرض الحاجة إلى التوسع في أنشطتها اليومية ليتجاوز بذلك التركيز فقط على الأنشطة الإنتاجية وتحقيق الأهداف الربحية، إلى التركيز والمساهمة الفاعلة في بناء المجتمع والمحافظة على تحقيق مفهوم التنمية المستدامة بمفهومها الواسع والشامل.
لعل من بين أبرز أهداف الملتقى: (1) زيادة الوعي والإدراك بمفهوم المسؤولية الاجتماعية. (2) زيادة الوعي بمفهوم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في مجال المسؤولية الاجتماعية. (3) تحديد وتقييم احتياجات وأولويات المجتمع في مجال المسؤولية الاجتماعية. (4) توضيح فوائد الشراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص. (5) بناء لغة حوار علمية وعملية بشكل مؤسسي بين القطاع العام والقطاع الخاص حول مفهوم المسؤولية الاجتماعية، بما في ذلك توحيد المفاهيم والرؤى حول ذلك الأمر، وتحديد سبل ووسائل تعزيزها بين أفراد المجتمع. (6) خلق فرص للشراكات بين القطاعين العام والخاص. (7) إشراك المساهمين في الشركات في تطوير وإطلاق الاستراتيجيات والمبادرات. (8) الاستفادة من التجارب والخبرات العالمية والمحلية. (9) تشجيع وسائل الإعلام لمساندة برامج المسؤولية الاجتماعية. (10) العمل مع وسائل الإعلام على تطوير مفهوم وأهمية المسؤولية الاجتماعية.
اتفقت معظم أوراق العمل التي قدمت بالملتقى على ضرورة تفعيل القطاع الخاص لمفهوم المسؤولية الاجتماعية في المجتمع، من خلال تبنيه لبرامج وآليات مدروسة بعناية فائقة، بعيدة كل البعد عن الاجتهادات وعن الأساليب التقليدية التي تعودنا في الماضي التعامل بموجبها مع المسؤولية الاجتماعية، التي كانت تعتمد إلى حد كبير في تنفيذها على العشوائية وعدم الانتقائية والاحترافية، التي لا تخدم الهدف المنشود من وراء المسؤولية الاجتماعية، الذي، وكما أسلفت، الإسهام الفاعل في تنمية المجتمع وإرساء قواعد مفهوم التنمية الشاملة المستدامة.
من هذا المنطلق أكدت التوصيات التي تمخضت عن الملتقى على ضرورة نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية بين أفراد المجتمع السعودي عبر مختلف الأجهزة الحكومية والأهلية الخاصة ذات العلاقة، وضع استراتيجية وطنية للمسؤولية الاجتماعية، وتضمين النظام الأساسي لجميع المنشآت العاملة في القطاع الخاص فقرة أو مادة تنص على تبني المنشأة لبرامج في إطار المسؤولية الاجتماعية.
القطاع المصرفي السعودي يعد منذ وقت بعيد أحد نماذج القطاع الخاص الرائدة في مجال التعامل مع المسؤولية الاجتماعية، حيث كان مبادرا وسباقا في تبنيه للعديد من المبادرات الإنسانية والاجتماعية الرائعة، بما في ذلك تنفيذه العديد من البرامج الاجتماعية الفاعلة، التي أسهمت بشكل كبير في الارتقاء بالمستوى الحضاري والاجتماعي الذي تشهده السعودية بشكل عام، ويعيشه المواطن السعودي بشكل خاص، الأمر الذي يؤكد عليه أن حجم المبالغ التي تجنبها البنوك السعودية في كل عام من أرباحها السنوية الصافية، تفوق بكثير المعدلات المتعارف عليها دولياً، ولعل الأهم من ذلك هو التوظيف الأمثل والسليم لتلك المبالغ في مجال المسؤولية الاجتماعية، حيث قد تم توجيهها إلى الاستثمار في بناء الإنسان السعودي الذي هو محور التنمية ومرتكزها الأساسي في السعودية، وذلك من خلال التدريب والتأهيل وتنمية القدرات والمهارات الذاتية، ما أسهم بفاعلية كبيرة في إعدادهم وتأهيلهم التأهيل السليم لسوق العمل، بما في ذلك إيجاد الوظائف المناسبة لهم، ما أسهم بشكل كبير في تقليص نسب البطالة المنتشرة بين الذكور والإناث في المملكة.
البنوك السعودية كذلك قد قامت بتوجيه جزء كبير من صافي أرباحها السنوية نحو الإسهام في تطوير المنظومة التعليمية في المملكة بمراحلها المختلفة، وتطوير القطاع الصحي، بما في ذلك تلبية احتياجات متنوعة للمحتاجين، والتشجيع على العمل التطوعي في المجتمع والتوعية به.
خلاصة القول، إن ملتقى الشراكة والمسؤولية الاجتماعية بين القطاع العام والقطاع الخاص، الذي نظمته وزارة الشؤون الاجتماعية خلال الفترة من الأول إلى الثالث من شباط (فبراير) من العام الجاري في مدينة الرياض تحت شعار"مجتمعنا.. مسؤولياتنا"، جاء انعقاده في ظروف مواتية للغاية، تشهد فيها السعودية على مستوى القطاع الخاص حراكا غير مسبوق نحو تنمية مفهوم المسؤولية الاجتماعية، الأمر الذي يؤكد عليه تسابق البنوك السعودية كنموذج رائد للقطاع الخاص السعودي وتهافتها على الدفع بمسيرة المسؤولية الاجتماعية قدما إلى الأمام، من خلال تبنيها العديد من المبادرات وتنفيذها العديد من البرامج التي أسهمت بشكل كبير في تطوير وبناء الإنسان السعودي، ولكن في رأيي لكي تستمر البنوك السعودية في مسيرتها المرتبطة بتنمية المجتمع، لابد من العمل على تنمية مفهوم ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى أفراد المجتمع السعودي بمختلف طبقاته وشرائحه ومستوياته، وأن يتم تسهيل مهمة القطاع الخاص من قبل الجهات الرسمية المعنية بالأمر في الدولة، بتحديد أجندة للأولويات في مجال المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع.
في رأيي كذلك أن وضع رؤية وطنية واضحة للمسؤولية الاجتماعية في المملكة، سيساعد بشكل كبير على تعزيز مفهوم وثقافة المسؤولية الاجتماعية بين أفراد المجتمع، الأمر الذي يتطلب إيجاد مرجعية رسمية تكون مسؤولة عن تحديد الأولويات، بما في ذلك سن التشريعات والقوانين التي تعمل على الارتقاء بأداء المسؤولية الاجتماعية في البلاد، وتعمل كذلك على تحفيز القطاع الخاص وبالتحديد البنوك السعودية للتوسع في برامج المسؤولية الاجتماعية، كما أن توفير محفزات نظامية إيجابية للشركات والبنوك السعودية، سيسهم بشكل كبير وملحوظ في التوسع في برامج المسؤولية الاجتماعية، وسيعمل كذلك على تطوير مفهوم المسؤولية الاجتماعية والارتقاء بالأداء، ما سيتحقق عن ذلك في نهاية المطاف الأهداف المنشودة للمسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي