أوباما وإيران
منذ الحملة الانتخابية لاحظ المراقبون تعرض أوباما للتلقين المستمر حول القضايا الأساسية، ولا ندري هل هي بالصدفة أم بفعل فاعل أن تكون القضايا الكبرى كافة هي التي تمس إسرائيل أو مصالح إسرائيل أو رؤيتها البعيدة للسيطرة على المنطقة.
ذلك أن أوباما لم يتوقف عن الحظر النووي الإيراني وللحقيقة فإن دارسا مبتدئا للعلوم السياسية يذكر أن الولايات المتحدة كانت تحت ضغوط سلاح نووي سوفيتي وصيني لسنوات طويلة، وكان المتحكم في السلاح زعماء اشتهروا بالبطش والمذابح الجماعية مثل جوزيف ستالين في روسيا (الاتحاد السوفيتي) وماوتسي تونج في الصين. ولم يحدث شيء لأمريكا أو حلفائها. ربما للتعادل النووي أو الاستعداد أو القوة الأمريكية، وإذا كانت القوة الأمريكية ما زالت متماسكة، بل يمكن القول إنها زادت – فماذا يضير واشنطن تحديدا من قنبلة أو اثنتين تنتجهما إيران بعد فترة تراوح بين عامين وخمسة أعوام؟ ولماذا هذا الهياج الإعلامي على خصم ضعيف يستحيل أن يمثل أي تهديد على أمريكا، بينما تسكت على إسرائيل صاحبة الأربعمائة رأس نووي وصاحبة سياسة الغموض النووي Ambiguity بنصيحة ومباركة واشنطن. إن القضية واضحة فاضحة – ذلك أن القلق إسرائيلي تحمله على أكتاف أوباما وتقنعه بالوعد والوعيد والإغراء والتهديد أن يجعلها قضيته الأولى، مع أن قضاياه الأساسية الأمريكية تتمثل في البطالة والأزمة المالية التي شردت الملايين، وإصلاح ما أفسدته الأعاصير بالبلايين، والتوازن المالي بعدما اقترضت واشنطن من اليابان وروسيا والبرازيل والصين والهند ودول العالم أجمع، وكشفتها الأزمة الأخيرة وهي بحاجة ماسة إلى تغطية عوراتها الاقتصادية والعودة لإيهام العالم بأنها بلد الرخاء والترف والحلم الأمريكي وأنها لم تدخل بعد مرحلة التصدع والانهيار التي أصابت الاتحاد السوفيتي منذ السبعينيات ووصلت الذروة 1989م عندما أعلن تفكك الإمبراطورية السوفيتية واستقلال الجمهوريات، وهو منتظر بالنسبة للولايات الأمريكية، إذا لم تجد واشنطن حلولا اقتصادية حقيقية.
تقول آلات الإعلام الإسرائيلي والأمريكي ونتبعها نحن إن العالم مهدد بانتهاك اتفاقية حظر الأسلحة النووية (التي يجتمع الآن لها أربعة أمريكيين على رأسهم الرئيس الأسبق كارتر وسام نان وغيرهما لتنظيف العالم كله من الأسلحة النووية). ولم يستبعد أوباما استخدام القوة وهو البديل الإسرائيلي المحبب والناجع (ضد العرب وضد العراق) وتعهد بذلك أمام الإيباك وهي أقوى المنظمات الصهيونية. واضطر الرجل أن يقول إنه سيفعل كل ما في وسعه لمنع إيران من تملك الأسلحة النووية. وبعد أن اعتلى عرش البيت الأبيض بدأ يعلن أنه سيبدأ بتقديم جزرات كبيرة ووراءها عصي وهراوات غليظة. أما الجزرات فهي تقديم تأمينات أمنية وضمانات محددة لتحقيق ذلك، إلى جانب التطبيع وتوسيع مظلة التعاون الاقتصادي مع طهران، أما الهراوات فتتمثل في فرض عقوبات دولية ومنها منع تصدير البترول المصفى (علينا أن نتذكر أن الهدف الأكبر من غزو العراق هو الهيمنة على النفط إنتاجا وتجارة وتكريرا وتصديرا لحرمان الصين وكبح جماح التصدير الروسي) ويواصل أوباما: وقد نضطر لفرض حصار بحري على إيران كما لا نستبعد المواجهة العسكرية. أي أنها أجندة تل أبيب بالكامل أعلن الرئيس الجديد أنه مقتنع بها تماما.
وفور تولي أوباما انطلق شاؤول هوريف رئيس لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية في أروقة السياسة الأمريكية. وبعد إعلان أوباما اختيار هيلاري كلينتون عضو مجلس الشيوخ عن نيويورك زاد الحديث عن رغبتهما – أي أوباما وهيلاري – في إحياء مسألة نزع وتحديد السلاح على نطاق العالم. الأمر الذي يثير شكوك إسرائيل المدججة بالسلاح المستورد والمجهزة ببنية تحتية هائلة لإنتاج السلاح وتصديره. والسبب هو أن إسرائيل تعي أن لديها قوة ردع هائلة تخيف كل جيرانها، وهي تخشى أن يكون تحييد إيران أو نزع سلاحها النووي مرهونا بنزع سلاح إسرائيل النووي. وهو مطلب كل شعوب وحكومات المنطقة وهو أيضا تطبيق للعدالة وإيقاف للكيل بمكيالين، مما أضعف – إن لم يكن أنهى – أي مصداقية للولايات المتحدة. ويتلقى الإسرائيليون يوميا من أصدقائهم وجواسيسهم في الولايات المتحدة معلومات عن أن إسرائيل سينالها بعض الإجراءات. وقد كتب جيم هوجلاند كاتب العمود الأشهر، الذي عرف بأنه يعبر عن رأي وزارة الخارجية الأمريكية يقول "على أوباما أن يستفيد من درس الرئيس جون كنيدي الذي طالب بنزع سلاح عالمي شامل. وكان كنيدي آخر رئيس أمريكي حاول إيقاف المشروع النووي الإسرائيلي. وهدد بأن هناك مترتبات خطيرة إذا منعت إسرائيل مراقبة مفاعلها، ولكن خلفاء كنيدي (جونسون ونيكسون وفورد وكارتر وريجان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن) سكتوا جميعا ونصحوها باتباع الغموض النووي. وقد أدت ضغوط كنيدي إلى استقالة بن جوريون 1963 وبعدها بشهور اغتيل جون كنيدي في ظروف غامضة ولم يعرف الناس الحقيقة وراء مخططي المؤامرة.
وتواصل بناء ديمونة في صحراء النقب وألقي عليه ستار، ولم توقع إسرائيل على اتفاقية الحد من الأسلحة النووية. وبدلا من أن يستجيب أوباما يمم وجهه شطر إيران وموقع ناتانز – وأصبح الخيار أمام أوباما كما ترسمه له إسرائيل: إما ضرب إيران وإما أنها ستلحق بالهند وباكستان وكوريا الشمالية وتنتج القنبلة.