ربوع العم زارع
المكان، حجرة معيشة في إسكان حكومي..
النهار رمضان.. والتلفاز عملاق خشبي نهتويه، ونتمنى لو سكنا فيه إلى جوار السندباد.
ينطلق النشيد: "ربوع بلادي علينا بتنادي.. تقول تعالوا شوفوني يا ولادي".. فنفرط في متعة استنشاق رائحة طعام أمي، ونمعن في إذلال المعدة تلبية لنداء "زارع"!
ننتقل مع العم خالد في كل يوم إلى مدينة جديدة، ونكتشف أن أماكن مثل حريملاء، نجران، وسم ما شئت.. ليست كما وصفت لنا في منهج الجغرافيا.. وليست كما تخيلناها سعياً لتعويض ما في المنهج من قصور بممارسة الإحلال.. فرحابة صورة العم خالد أوسع من ضيق قاعة ورداءة مطبوع!
تحرقنا شوقاً حتى وصل إلى تبوك، ورأيناها على شاشة العم خالد.. وأخذنا نراجع ما نذاكر يومياً من جبال سمراء وآثار عثمانية وبقايا سكك الحديد وها هو الشارع الـ"عام" اليتيم! وتمنينا لو أننا ظهرنا في الصورة.. وراودنا حلم سافرٌ يضجر بأمنية أن تكون سيارة أبي من بين سيارات قليلة تعبر من خلال الصورة، مملوءة بوجوه مطلة صوب الكاميرا، تنطق بفخر ونرجسية طفل ظن أنه استحوذ على مساحة تخصه هو.. ومدينته تبوك!
العم خالد زارع
أحببناك صدقاً..
ولم أشأ أن أكتب في هذا خوف البكاء.. وها أنا اليوم أبكي!
منطقتكم ملاذ يا سيدي.. فقد كان لكل شيء هيبته!
الصحيفة صحيفة، والبيوت بيوت، والجيرة حارة.. والمدرسة رهان.
لهذا راهن علينا العم خالد.. وخرج إلينا بما يمكن أن يعزز علاقتنا بمفهوم وطن!
لم أعرف أحداً حتى اليوم استطاع أن يقلص تلك المساحات الشاسعة.. ويوضح الفرق البيّن.. حد الفصل، سواك!
رحمك الله، زارع البواكير..
كلنا كنا ركاب ذاك "الصالون"، كان لونه داكناً.. ولكنه أضاء بمهمة التنوير!
عصيّة هي تلك المهمة، لكنك كنت تجيد انتقاء آلتك.. وكيف ومن تخاطب. وليأذن لي المقام أن أبشرك أنه نحن.. ثلة من أرباب أسر اليوم.. نعشق المكان حتى وإن أنهكته المجاراة، ونخشاه حتى لا نقسو عليه، ونصبر حتى يقال إن لنا فضلا.. فنتوارى، من ذا الذي يتفضل على أرضه وهي التراب.. الأساس الذي كنت.. وستظل بنا فيه "زارع".