دافوس 39: إيذان بولادة رأسمالية الضوابط

بعدما كان العالم يعاني مشكلة بيئية عميقة تهدد مجال البيئة والتنمية المستدامة وأمن الإنسان، برزت مشكلة أخرى أكثر خطورة تمس الاقتصاد الحقيقي مباشرة وتهدد بانتشار الفقر نتيجة الكساد والانكماش الذي ينتج عنه تسريح للوظائف بأعداد كبيرة ترفع من نسب البطالة، فالأزمة المالية العالمية تمثل تحذيرا شديد اللهجة من مغبة ترك المخاطر الاقتصادية المعروفة تحتقن وتأخذ مدى منحرفا.
المجتمعون في دافوس أجمعوا على أهمية مناقشة سبل إعادة تشكيل النظام العالمي، ليس من أجل إنعاش الاقتصاد في فترة قصيرة فحسب، بل للحد من المخاطر الأساسية وتعزيز فرص التنمية المستدامة.
واعتبر كثير من الحاضرين أن خطط إنقاذ البنوك وتحفيز الاقتصاد من شأنه أن يحدث رد فعل عكسيا يعمق الأزمة، وأن الأزمة تواجه خطرين كبيرين، هما الاضطرابات الاجتماعية والحماية التجارية، وهو ما يعد انتكاسة عن عقود من العولمة وجهود مكافحة الفقر، خصوصا بعدما انخفضت الرساميل الخاصة بالأسواق الناشئة من تريليون إلى 165 مليار دولار.
وفي دافوس اتهم مئات المتظاهرين يوم السبت 31/1/2009 مسؤولي البنوك وقادة الأعمال والساسة بخلق الأزمة وتحميل تكاليفها الشعب، وكانت الصين وروسيا الأبرز في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس 39 لهذا العام، إذ اتفقتا على أن استهلاكا بلا قيود يغذيه الاقتراض هو المسؤول عن الأزمة المالية العالمية.
وتحدث رئيس وزراء الصين وين جيابو بلهجة متحدية في خطاب رئيسي له في دافوس مصرا على أن الصين كانت تتخذ بالفعل إجراءات حاسمة لدعم الاقتصاد وتجنب آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، واتهم البلدان الغربية بأنها كانت مهملة بصورة خطيرة في سياساتها إزاء مؤسساتها المالية، الأمر الذي يعتبر بمثابة إخفاق الإدارة المصرفية الذي ترافقه ثقافة الادخار المتدني والاستهلاك المرتفع، حيث كان كل ذلك وراء الأزمة الحالية، حيث سبق هذا الخطاب لوم الصين كثير من المسؤولين والاقتصاديين الأمريكيين باتهام الصين بتسببها في تكديس الفقاعة الائتمانية في أوائل العقد الحالي، وذلك من خلال مراكمة احتياطيات مالية بالعملات الأجنبية ثم استثمارها في أسواق الدين.
وقبل عامين في هذا المنتدى لو نطق أي شخص بكلمتي (الدولة) و(الضوابط) في جملة واحدة، فكان سيقابل بسخرية في الدوائر المصرفية الكبرى التي تجتمع عند منحدرات التزلج في دافوس.
هذه السنة تحضر أعداد قليلة من المصرفيين الذين تعصف بهم الأزمة مفسحين المجال لصناع السياسات للعمل من وراء الكواليس على إيجاد السبل لإصلاح النظام المالي قبيل اجتماع قمة لمجموعة العشرين لكبريات الدول المتقدمة والصاعدة في نيسان (أبريل) وقمة مجموعة الثماني في تموز (يوليو).
والآن، بعد أكثر من 18 شهرا من ظهور أكبر اضطرابات مالية في السنوات الثمانين الأخيرة، فإن مديري البنوك الذين ما زالوا في مناصبهم يستعدون ـ بحسب "رويترز"، لابتلاع أكبر جرعات من الإجراءات الرقابية لمساعدتهم على علاج أزمة توجه إليهم اتهامات بأنهم السبب فيها.
فإن صانعي السياسات يحلون محل المصرفيين في مقعد القيادة في المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام لبحث الحلول على المدى القصير والمدى الطويل لمتاعب هذا القطاع.
وقال مارك فيل رئيس مؤسسة آي. إم. أي. إيه: منذ عامين لم يتسن لأحد أن يرى المشاكل والمخاطر، واعتبر أن صناعة الخدمات المالية لم تعد مثل الخدمات الأخرى، وأي شخص يمثل مخاطر عامة يحتاج إلى ضوابط أكثر صرامة، وشرح هذه الصرامة بأنها تحتاج إلى شفافية أكبر في الميزانية، ومتطلبات أكثر لرأسمال البنك، وجهود منسقة لإعادة البنوك إلى ما كانت تعرفه بدرجة أفضل وهو الإقراض. ولا يعتبر مارك فيل أن القيام بهذه الإجراءات والضوابط انتقال إلى شيء يشبه الاتحاد السوفياتي، ولكن يعتبر أنه لم يكن لدى الغرب على الإطلاق سوق حرة بالكامل.
ويضيف براون رئيس وزراء بريطانيا قائلا (ليس هذا وقتا للاكتفاء باتخاذ إجراءات فردية أو وطنية لمواجهة الأزمة المالية العالمية، إنه وقت ليتوحد العالم).
وعلى هذا الأساس صرح كلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي بإعلان مبادرة لإعادة صياغة النظام المالي في العالم خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وكان من داعمي كلاوس شواب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس وزراء الصين وين جياو باو، وذكر شواب أن هناك حاجة لإعادة صياغة النظام المصرفي العالمي واللوائح المالية وإدارة الشركات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي