عافية.. وصافية!

الشركات الناجحة في أي مجتمع هي أصول ثمينة لا تقل أهمية عن بقية أصوله وثرواته الطبيعية والبشرية، باعتبارها مؤسسات تحول الأفكار والخامات الأولية إلي أساليب ناجحة ومنتجات نافعة. والحكم عليها لا يتوقف على كونها مربحة فحسب، بل لأنها تضيف قيما اقتصادية أخرى. فهي تسهم في زيادة إنتاجية، ورفع مستوى دخله، وزيادة صادراته، وتوسيع فرص العمل لأبنائه. ومن الشركات التي غدت قصتها واحدة من أبرز قصص النجاح الباهر مجموعة شركات صافولا.
بدأت هذه المجموعة في تجارة زيت الطعام (عافية) فتخطت جميع منافسيها واستحوذت على نسبة كاسحة من حجم سوق زيوت الطعام في المملكة، حتى أصبحت علامة (عافية) ثالث أقوى علامة تجارية عربية عام 2008! ثم أمتد نشاطها لمنتجات غذائية أخرى أهمها السكر ونجحت. وما لبث أن امتطت صهوة تجارة التجزئة (سلسلة أسواق بنده وهايبر بنده) فكانت كالحصان الرهوان فتخطت منافسيها في هذا المجال من حيث حجم المبيعات والأرباح. وما لبث أن رأينا طموحها سباقا، فإذا هي تخوض غمار نشاط التغليف والتعبئة (صناعة البلاستيك) بنجاح. ثم في مرحلة لاحقة خطبت ود شركات أخرى ناجحة فشاطرتها طرفا من أعمالها في شراكات موفقة (المراعي، والمهيدب، ومدينة المعرفة). وأخيرا أصبحت لها ذراع عقاري خاصة بها يتوقع أن تضيف لنجاحها.
كان نجاحها اللافت في نشاطها الأساسي (التغذية) سببا في توسيع نشاطها الخارجي، فأصبحت لها الآن مصانع لإنتاج الزيوت ومصاف لتكرير السكر في كل من: مصر، السودان، الجزائر، تركيا، إيران، وباكستان وغيرها. وستسعى المجموعة خلال عام 2009 للاستفادة من الأسعار المنخفضة لمعظم الاستثمارات والأصول للقيام باستحواذات استراتيجية جديدة عبر إعادة استثمار الأرباح التشغيلية والأموال المحررة من رأس المال العامل نتيجة لانخفاض سعر المواد الخام.  ونظراً لأن المجموعة تعمل في قطاعات استهلاكية أساسية (وهذه عادة تكون قليلة التأثر بالتقلبات وتباطؤ الحركة الاقتصادية)، فإن خبراءها يتوقعون أن تحقق أرباحا صافية قدرها 800 مليون ريال خلال العام الجاري، وهو تحد لافت حقا!
والشركات الذكية تكون وفية لمجتمعاتها فلا تنسى ما يوجبه عليها هذا النجاح من التزامات تجاه المجتمع الذي تحيا فيه. وقد اختارت "صافولا" مجالا مهما ركزت فيه على تدريب وتأهيل وتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة. إن الاهتمام بهذه الفئات هو قطعا من دلالات رقي المجتمع وتطور إحساس مؤسساته التجارية بمسؤولياتها الاجتماعية تجاهه.
أما في مجال توظيف السعوديين وتدريبهم فلها فيه جهد طيب، فسعودة أكثر من 42 في المائة من مجموع الوظائف في نشاطاتها المحلية. وقامت بتأسيس المعهد السعودي للبيع والتسويق بالتعاون مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، حيث سيقوم بتدريب عشرة آلاف شاب سعودي خلال ثلاث سنوات للعمل في قطاع التجزئة.
لكن أثمن وأجمل ما في الشركات الناجحة، ليس فقط كونها تحقق أرباحا، أو أنها تنمو وتتوسع، أو تولد فرص عمل جديدة، أو أنها تتحمل مسؤوليةً اجتماعية، بل أن تكون جميع أعمالها واضحة كقطعة البلور الصافية باطنها كظاهرها! فليس عندها ما تخفيه، بل كل شأنها فخر تبديه ! فالشركة التي لا تتمتع بشفافية كافية لا يمكن الوثوق بها، ذلك أنها قد تربح (أو تخسر) بأكثر مما تعلن! ولذا لم يكن غريبا أن تحوز هذه المجموعة الناجحة في المرتبة الأولى على مستوى المملكة (والمرتبة 14 على مستوى دول الخليج العربية) في مجال حوكمة الشركات والشفافية، متقدمة بذلك على شركات أضخم وأرسخ منها قدما.
وقد كانت مجموعة صافولا شديدة الوضوح وهي تعلن بياناتها المالية عام 2008، وهي سنة عصيبة تقلبت فيها أسعار المواد الخام والأصول تقلبا كبيرا. لكنها اختارت الطريق الأسلم والأجرأ على المديين المتوسط والطويل في معالجة بعض خسائرها غير المحققة عام 2008. فاتخذت قرارا بتكوين مخصصات مقتطعة من أرباحها لمواجهة تلك الخسائر. ولا شك أن هذا أسلوب قد يؤثر في مستوى الربح المعلن ومن ثم على سعر سهمها الحالي في السوق، بيد أنه قرار حكيم يجعل عملية التخارج من هذه الاستثمارات منفصلة عن المعالجة المحاسبية، بحيث تظل هذه الاستثمارات مرتبطة بجدوى الاستمرار فيها وبمستوى جاذبيتها على المديين المتوسط والبعيد.  
ليت أن شركاتنا الكبرى وبنوكنا ومؤسساتنا تفصح لنا عن أوضاعها كما فعلت "صافولا".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي