الفساد الإداري الخطر القادم
عبدالله الحربي
ازداد في الآونة الأخيرة الاهتمام بظاهرة الفساد الإداري والدعوة لمكافحته والحد من انتشاره من قبل الحكومات في دول العالم عبر الخطط والاستراتيجيات التي تضعها لضمان مواجهة هذه الآفة الخطيرة بكل صورها.
والفساد ليس ظاهرة محلية وإنما ظاهرة عالمية تعاني منها الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ، يقول الشيخ /صباح الأحمد " أصبح الفساد الإداري ظاهرة عالمية يزداد اهتمام العالم بها يوماً بعد يوم، نظراً للآثار السيئة لهذه الظاهرة، بحيث أصبحت تشكل معول هدم للقيم الأخلاقية وللنسيج الاجتماعي لكثير من المجتمعات، ومعوقاً رئيساً للتنمية الاقتصادية والبشرية، ومزعزعاً لثقة الشعوب في أداء مؤسساتها الحكومية، وفي مشاريعها الإصلاحية، ومؤدياً إلى انتهاك سيادة القانون، وزيادة ممارسات الرشوة والواسطة والمحسوبية، وإساءة استخدام السلطة"(1).
والفساد الإداري له أنماطه وصوره المتعددة إلا أن أوسع صوره ما جاء بتعريف الأمم المتحدة للفساد بأنه سوء استخدام السلطة لتحقيق المصالح الخاصة. كما أن من صوره أيضاً ، التزوير والاختلاس والرشوة وإهدار المال العام والتلاعب فيه والمحسوبية كتعيين الأقارب والأصدقاء الغير مؤهلين في الوقت الذي يتم استبعاد المؤهَل .
وتتميز عملياته بطابع السرية التامة عند القيام بها، مما يصعب اكتشافها خاصة تلك العمليات التي تتم في المستويات الإدارية العليا .
ومن أهم أسباب تفشي ظاهرة الفساد ما يلي:-
1. تراجع القيم وتردي الأخلاق وهيمنة الفكر المادي والفلسفات العلمانية ومستلزمات الترف والرفاهية كل ذلك من مشهيات ومحفزات تعاطي الفساد.(2)
2. ضعف الوازع الديني والأخلاقي لأفراد المجتمع.
3. إهمال الجانب التربوي من قبل الأسرة تجاه أبنائها وعدم تربيتهم على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
4. قصور المناهج العلمية في زرع القيم والمبادئ الإسلامية في سلوكيات الطلاب.
5. ضعف الأجهزة الرقابية في القيام بدورها الرقابي على الوجه المطلوب.
6. القصور الإعلامي في توعية المجتمع بخطورة تفشي ظاهرة الفساد الإداري بين أفراده، وعدم الشفافية في نقل المعلومات الصحيحة للمجتمع.
7. المحاباة لمرتكبي الفساد وعدم تطبيق الإجراءات الجزائية الحازمة بحقهم.
8. تدني مستوى الأجور للعاملين في بعض المنظمات.
9. البيروقراطية الجامدة في إنجاز المعاملات وما يترتب عليها من تأخير في إنجازها.
10. قصور المنظمات بتوعية منسوبيها وتدريبهم على التحلي والتمسك بتعاليم الدين الحنيف.
11. التسامح والتغاضي من قبل أفراد المجتمع تجاه مرتكبي الفساد.
12. ضعف العلاقة بين المواطن والجهات الرقابية لتلقي البلاغات المتعلقة بحالات الفساد .
والفساد الإداري مرضٌ إداريٌ خطير إذا تفشى داخل المنظمات نتج عنه آثار سلبية تلحق الضرر بالمجتمع ومنظماته العامة، من تلك الآثار ما يلي:-
1. إضعاف فاعلية وكفاءة الأجهزة الإدارية بالمنظمات العامة لتصبح غير قادرة على تحقيق أهدافها.
2. إبدال المفاهيم والقيم السليمة في السلوك الإنساني مما ينعكس ذلك على السلوك الإداري للمنظمات العامة في قراراتها وأنشطتها.
3. خلق جو من التنافس غير الشريف بين أعضاء المنظمات العامة مع إتباعهم لأساليب ملتوية بغية الوصول إلى مصادر الثروة لتحقيق المصالح الشخصية على المصالح العامة.
4. تهديد استقرار كيان المجتمع، سالب للعدالة والمساواة، يوغل الحقد والضغينة بين أفراده، يزرع في سلوكيات أفراده الكذب والخداع والتزوير والاختلاس وعدم الأمانة في العمل.
5. التسبب في نهب وضياع الثروات الاقتصادية للمجتمع.
6. إعاقة تنفيذ المشاريع التنموية والبني التحتية واستغلالها في تحقيق المصالح الخاصة.
7. إعاقة الخطط التطويرية للمنظمات العامة.
8. ارتفاع ظاهرة البطالة والفقر لطبقة معينة من أفراد المجتمع.
ولكي تكون سبل الإصلاح ناجعة لمكافحة هذه الظاهرة وللحد من انتشارها يجب أن تقوم المنظمات أولاً بتطبيق الجانب الوقائي بردم مستنقعات وبؤر الفساد والقضاء على الأسباب المساعدة على ظهوره ، وجميع الطرق المغذية له من باب الوقاية ، وهذا هو الأهم في الخطط والاستراتيجيات الهادفة لمكافحة هذا الداء في المنظمات يعقبه الجانب العلاجي للحالات المكتشفة .
ومن أهم ما يمكن إتباعه في الجانب الوقائي ما يلي:-
1. تقوية جانب المراقبة الذاتية في النفوس من خلال تقوية الوازع الديني والذي ينطلق أساساً من التربية الإسلامية الصحيحة من قبل الأسرة تجاه أبنائها بتربيتهم على الاستقامة والفضيلة مما يؤثر ذلك في أخلاقهم ، وسلوكياتهم بصقلها على كل فضيلة ونبذ كل رذيلة ، ومن السلوكيات الفاضلة الأمانة في العمل والصدق وطلب المكسب الحلال .
2. توظيف الإعلام للقيام برسالته الإعلامية الهادفة عبر قنواته المتعددة بتوعية أفراد المجتمع بخطر هذه الآفة على الفرد والمجتمع ككل، وما تُحدثه من خلخلة وإضعاف لدور المنظمات العامة وأجهزتها الإدارية.
3. معالجة الفجوة في رواتب الموظفين، من خلال رفع المستويات الدنيا منها لتكون متناسبة مع الوضع الاقتصادي للمجتمع، وقادرة على تأمين للموظف وأسرته حياة كريمة أسوة ببقية أفراد المجتمع . فضعف وتدني مستوى الرواتب مدعاة لتعويض قِلَتِها بطرق أخرى مشبوهة.
4. إيجاد أنظمة تقاعدية تضمن للموظف معاشاً تقاعدياً يوفر له ولعائلته مستوىً معيشياً لائقاً بعد تركه للعمل الحكومي ، مما يبعده عن الوقوع في براثن الفساد أثناء وجوده على رأس العمل باستغلال وظيفته لتحقيق وجمع أكبر قدر ممكن من المال بطرق غير مشروعة.
5. القضاء على الأنظمة والإجراءات الروتينية التي تُعيق سهولة وسرعة إنجاز الأعمال ، خاصة المتعلقة بالجمهور، حتى لا يتم الالتفاف عليها للوصول إلي الغايات بواسطة طرق غير مشروعة.
6. إعداد البحوث والدراسات الدورية عن الحالات التي وقعت فعلاً وتم ضبطها للتعرف على أسباب وظروف وقوعها ، والعمل على معالجتها والقضاء عليها حتى لا تكون بيئة تنطلق منها حالات أخرى جديدة.
7. سن الأنظمة والقوانين القوية التي تزرع الخوف في نفس كل مريض تسول له نفسه الوقوع في هذا الداء ، وأن لا يقف الأمر عند إصدارها ونشرها بين العامة فقط ، بل تطبق فعلاً على من يستحقها على أرض على الواقع.
8. تكوين الأجهزة الرقابية المدربة ، والجادة في تتبع مثل هذه الحالات ، وأن يكون أعضاءها ممن يتصفون بالنزاهة ، وتقديم الدعم لهم من السلطة العليا بالدولة مع استقلاليتهم إدارياً .
9. إجراء العمليات التفتيشية المفاجئة التي تعطي الصورة الحقيقة عن وضع وسلامة إجراءات تلك المنظمة .
10. التطوير المستمر للأجهزة الرقابية من حيث أنظمتها وتقنياتها المستخدمة وطاقاتها البشرية، والتعرف على كل ما هو جديد في هذا المجال سواءً في المجال الرقابي أو الطرق المستحدثة في الفساد.
11. فتح مجال التعاون بين المواطن والأجهزة الرقابية في الإبلاغ عن حالات الفساد.
12. الشفافية الكاملة في نشر حالات الفساد لدى المنظمات العامة والعقوبات المطبقة في حق مرتكبيها.
13. يجب على الجهات المسئولة الاهتمام بالمنظمات التي قد يتعرض أفرادها لمغريات بحكم عملهم مثل الجمارك وحرس الحدود وهيئة المواصفات والمقاييس والإدارات ذات العلاقة بالمشاريع الحكومية ، أو تلك التي تتولى تأمين الدواء والغذاء ، بوضع مزايا مالية تمنح لهم كرواتب أو مكافئات أو حوافز تشجيعية أو ترقيات استثنائية ، بالإضافة للمميزات الخدمية الأخرى من سكن وخدمات علاجية متقدمة ، ليكونوا في منأى عن تأثير تلك المغريات المحرمة بعدم ارتكابها ، لأن النفس البشرية جُبلت على حب المال.
أما الجانب العلاجي فله وسائله ونذكر منها يلي :-
1. المصداقية في تطبيق الإجراءات الرقابية والعقابية على الجميع دون تمييز.
2. الحزم في التعامل مع الحالات الظاهرة والثابتة ، ولتكون رادعه في الوقت نفسه.
ختام القول أن التساهل أو التغاضي في معاقبة مرتكبي الفساد يُساعد على انتشاره على نطاق واسع ويتسبب في عدم الهيبة والاحترام للقوانين والأنظمة وينتج عنه انهيار القيم الأخلاقية بين أفراد المجتمع.
كما أن معرفة آثار الفساد وخطره يخلق وعياً يحفز القوى المختلفة لمحاربته ومكافحته والحد من انتشاره.
فهل تتكاتف جهود الجميع لمكافحة الفساد الإداري بجميع صوره للحد من انتشاره لنتبوأ من خلالها مقدمة التصنيف العالمي لمنظمة الشفافية الدولية(transparency international) ؟!!
أتمنى ذلك ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ ،،،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشيخ الصباح ، صباح الأحمد ، (16/4/1426هـ ) ،الكويت تدعو المجتمعات الدولية لمحاربة الفساد ،جريدة الشرق الأوسط ،العدد9674 ،ص1 . (وكان يشغل حينها رئيس مجلس الوزراء الكويتي)
(2) الكبيسي ، عامر خضير ، الفساد والعولمة تزامن لا توأمة ،الإسكندرية ، المكتب الجامعي الحديث ، 2005