ها قد وصل أوباما؟

تساءلت وسائل الإعلام طويلا عن سر سكوت الرئيس الأمريكي باراك أوباما إبان أزمة غزة. وسمعنا السؤال: أين أوباما؟ وفي بلد يدلي الجميع بصوته ودلوه في الأزمات لم نسمع صوتا لأوباما ولا حتى إصبع احتجاج.
إن في ذلك درسا لنا جميعاً لنعرف دهاليز السياسة الأمريكية فهي سياسة خطط ومصالح لا مواقف وانفعالات. وقد نشر مركز بيجين والسادات الإسرائيلي دراسة تتلخص في أن تحقيق النصر يعني "إسكات صواريخ حماس، وإذا استمرت الصواريخ بعد نهاية العمليات فإن ذلك هو الهزيمة بعينها". ولكن الطريف أن الدراسة ألمحت إلى أن هذا الهدف الاستراتيجي متفق عليه مع الإدارة الأمريكية، وهو ما يؤكد أن بوش وأوباما وكل أفراد الإدارتين الجمهورية والديموقراطية متفقون على الغاية.
وواصلت الدراسة قولها". لقد تم الاتفاق مع واشنطن على مواصلة الهجوم تحت شعار "الدفاع عن إسرائيل" وهو جزء من سياسة أوباما باعتبار سلامة وأمن إسرائيل أحد ثوابت السياسة الأمريكية.
وقد وصل أوباما إلى البيت الأبيض، وفي احتفال أسطوري لم يخّل من الألعاب النارية احتفل الأمريكيون بأول رئيس من أصل إفريقي عندما سكتت "الألعاب النارية" في غزة، وعلى جثث الآلاف وآلامهم تم تحقيق المطلوب. وقد تم كل شيء وفق السيناريو العالمي الذي بصمت عليه واشنطن، بوش وأوباما. وقد لاحظنا كيف آثرت أوروبا السلامة واكتفت بالمناشدة وأخيرا أيدت الجهود المصرية والسعودية لإيقاف المعاناة. ولست ممن يتوجه بالعتاب لكل من ظن أن أوباما سيكون مختلفا وشرسا مهابا من إسرائيل أو أنه سيلعب دوراً في السياسة الخارجية. الرجل سيتسلم الملف من سلفه كما تسلمه من القوى التي تختارهم (بوش وأوباما وغيرهما) ولن ينبس ببنت شفة، حتى يتم الإسرائيليون مهمتهم التي حظيت كالعادة بدعم واسع وصريح من واشنطن، والتتمة سياسية بطبيعة الحال.
أوباما سيتحدث قريبا عن دارفور لأنها داخل الجدول المسموح له أن يتحدث فيه، وكم نظلم ساكن البيت الأبيض حينما نتوقع منه ما لا يقدر عليه! أما الدماء التي تسيل جهارا نهارا فلا تحرك ساكناً، ومهمة واشنطن الكبرى هي إسكات أي مقاومة أو استنكار وإيقاف أية مساندة من أي مصدر خاصة من الجيران العرب.
وقد بدأ اليهود تخويف أوباما حتى لا يتجاسر بتصريح على غرار الرئيس الراحل جون كنيدي عندما انتقد إسرائيل عام 1962م لمحاولات تحويل نهر الأردن. فكتب إسرائيلي هو تيد بيلمان "إن أوباما رجل المهام المقدسة، ونظرا لعجزة عن حل المشكلة الاقتصادية فسوف يحاول استعراض عضلاته في الشرق الأوسط". ولكنه لن يفعل شيئاً، ويخاطب الإسرائيليين قائلا "لا تخافوا فإن أقصى ما يفعله هو إلقاء حجر سياسي".
وقد أوفد أوباما مبعوثين إلى "حماس" منهم "ج. ماللي" ثم أنكر ذلك. ورغم أن أوباما تحدث كثيراً عن أهمية تجاهل "حماس" إلا أن مستشاريه نصحوه باستطلاع مرئيات "حماس" عبر مسؤولين غير معروفين، ومواصلة المحادثات السرية، خاصة بعدما ثبت لواشنطن عبر الأسبوعين الماضيين أن تجاهل "حماس" خطأ سياسي كبير، لأنها ببساطة "الطرف الآخر".
وعلى غرار ما حدث بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية في السبعينيات حين أقدمت على محادثات سرية مع المنظمة - يمكن لواشنطن أن تعرف كثيرا من الحقائق إذا شاءت أن تجد مصدرا غير حليفها الاستراتيجي.
في السبعينيات لم تكن واشنطن قد كشفت عن وجهها السافر وكان معظم العرب ومنهم الرئيس السادات يعتقد أن واشنطن طرف محايد، أما الآن وبعد تطورات حرب العراق وحرب لبنان فقد اتضح أنها شريك في الجبهة الإسرائيلية. ومع ذلك فقد صرح ستيف كليمونز مدير البرنامج الاستراتيجي الأمريكي بأن "مرحلة عزل حماس التي تبناها بوش قد انتهت".
وإن كان لهذا الكلام مصداقية، فإن أوباما سيظهر على المسرح خاصة إذا لم تستسلم "حماس" سياسيا ليتفاوض معها حول بعض شروط التعايش مع إسرائيل، وهو الدور التقليدي للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل "الظهور كوسيط سلام عندما تفشل بطاقات السياسة الإسرائيلية".
ويؤكد كليمونز أن أوباما سوف يتبنى أسلوب التعامل الجماعي مع جميع الأطراف من خلال محادثات سرية وعلنية ستقع قريبا.
ويتوقع أنصار هذا الرأي أن الرجل سيتحرك بعد طول سكوت وقد يطلب من إسرائيل ضبط النفس مرحليا ليكسب قليلا من المصداقية لدى "حماس" ثم ينفذ ما لم يستطع بوش إنجازه. ولكن المعسكر الإسرائيلي لن يستجيب لأوباما بعدما تعودت إسرائيل الدعم المطلق من جانب أمريكا، إضافة إلى ذلك فإن المزايدة الانتخابية على أشدها، ولن تقبل "كاديما" الظهور بمظهر المتراجع، كما أن احتمال الائتلاف مع ليكود نيتانياهو سيدعم الموقف المتشدد، وإن كان سيسهل مسألة الضغط الذي يرى البعض أن أوباما سيمارسه.
ولكن الاتجاه الأكبر يقول إن أوباما لن يفعل شيئا ولو أنها ستمطر فطيرا لكانت بدأت بتنقيط الدقيق (الطحين).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي