الانتقام لهجمات مومباي .. التفكير في الخيار العسكري
وزير الشؤون الخارجية الهندي نبراناب موكهيرجي، قال بعد الهجمات الإرهابية في مومباي, إن جميع الخيارات مطروحة للتعامل مع باكستان لفشلها في منع الأعمال الإرهابية على الأرض الهندية. ولم يضع الجيش الباكستاني أي وقت لاغتنام الفرصة لمصلحته، فقد هدد بسحب قواته المشاركة في خوض الحرب على الإرهاب على جبهته الغربية مع الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، وقوة المساعدة الأمنية ISAF حتى ينشرها على الحدود مع الهند.
والجيش الباكستاني يعرف جيدا أن الأمريكيين لن يسمحوا له بالقيام بمثل هذا الخيار وسيُضطرون إلى الضغط على الهند لوقف أي خطط للقيام بعمل عسكري، وفي النهاية فإن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس أخذت تتصل، وهذا هو بالضبط ما يبدو أنه حدث.
وفي الوقت الذي زاد فيه الجيش الهندي من يقظته على "خط المراقبة", فقد شوهد الجيش الباكستاني وقد عزز عملياته الاستطلاعية على الحدود مع الهند، لكن عمليات الاستطلاع والتحركات العسكرية المحدودة قريبا من الحدود الدولية في هذا الوقت من السنة جزء من تمرينات عسكرية روتينية تقوم بها كتائب حراسة الحدود كجزء من النشاطات العملياتية السنوية، وينبغي ألا يفهم منها أي شيء آخر.
ومن المحتمل جدا، بطبيعة الحال، أن كلا سلاحي الجو قد رفعا أسرابهما المقاتلة إلى أعلى مستوى من اليقظة والتأهب، مع أن أيا من الجانبين لم يعلن أنه فعل ذلك.
وكانت الهند قد قامت بحركة دبلوماسية تكتيكية في أوائل عام 2008 طلبت من باكستان أن تسلم المحرضين على هجمات مومباي الإرهابية ووضعت وزيرة الخارجية رايس ثقل الإدارة الأمريكية خلف المطلب الهندي خلال زيارتها إلى إسلام أباد، واستجابت باكستان باعتقال زاكيور رحمان لاكوي، القائد العسكري لمجموعة لاشكار أي طيبة، والعقل المدبر لهجمات مومباي وفرضت الإقامة الجبرية على مسعود أزهر، مؤسس جيش محمد، وسمح لقادة آخرين مثل رئيس لاشكار أي طيبة، حافظ محمد سيد بأن يعمل سرا، كما عرضت باكستان التعاون مع الهند في التحقيقات الجارية - وهي خطوة وصفتها الحكومة الهندية بأنها غير مجدية أبدا ولا تؤدي إلى أي نتيجة.
كيف سترد الهند إذن بعد أن فشلت الحكومة الباكستانية في توفير ردّ مرض على مسعاها الدبلوماسي؟ هل يجب أن تمارس الهند الخيارات العسكرية المتاحة لإلحاق العقوبة، مثلما طالب الناس في مسيرات عشوائية في كل أنحاء البلاد؟ وهل تملك الهند خيارات عسكرية حيوية لن تؤدي في نهاية الأمر إلى تصعيد حرب كبرى مع المخاطرة بتبادل نووي؟ وهل ستنجح الضربات العسكرية في إيذاء المحرضين الفعليين وتحقيق نتائج دائمة؟ وماذا ستكون التبعات الدولية؟
إن الأجوبة عن هذه الأسئلة مهمة لاتخاذ القرار حول اختيار المسار المناسب للعمل.
هناك عدد كبير من الخيارات العسكرية أمام الحكومة الهندية لتهاجم الإرهابيين، ومن يدعمونهم، بعد أن أخفقت باكستان في التجاوب الملموس مع المطالب الهندية. وإذا اختارت الحكومة الهندية الوسائل العسكرية، فإنها ستوجه الضربات فقط للمنظمات الإرهابية، والجيش الباكستاني، والمخابرات، وتتجنب الأهداف المدنية. وسيكون الهدف توجيه رسالة واضحة بأن الهند لا تكنّ عداءً للشعب الباكستاني, وأن لدى جماعة عسكر طيبة معسكرات كثيرة في كشمير، حيث أنشأتها في أعقاب الزلزال الذي شهدته كشمير عام 2005. ويتم استخدام بعض هذه المعسكرات لتدريب الميليشيات، ودفعها إلى المنطقة الهندية من كشمير. وستكون هذه المعسكرات هي أول ما يمكن أن تستهدفه الهند، لأن تدميرها سيكون له أثر كبير ودائم في الجماعات التي حرّكت أولئك الذين هاجموا مومباي خلال الفترة الأخيرة. وإن هذه المعسكرات التي تقع على عمق يراوح بين 15 و 25 كيلو مترا عن الخط الفاصل في كشمير يمكن مهاجمتها بقذائف المدفعية بعيدة المدى. ويمكن كذلك مهاجمة الأهداف الأقرب إلى الخط الفاصل باستخدام القوات الخاصة للجيش الهندي القادرة على اختراق الخط الفاصل خفية، ثم العودة بعد إنجاز المهام المطلوبة.
ومن المعروف أن معسكرات الجيش الباكستاني على الخط الفاصل سبق لها أن دعمت نشاطات متعددة لجماعات باكستانية متشددة، ولكنها لم تهاجم احتراماً لوقف إطلاق النار منذ 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2003. ويمكن أن تتعرض للعقاب الآن من خلال قصفها بالمدفعية الثقيلة، أو بمدافع الهاوتزر، أو المورتر، أو بقاذفات الصواريخ في بعض الأحيان. وستكون مثل هذه الهجمات عقاباً للجيش الباكستاني الذي طالما تعهد بإلحاق إصابات شديدة بالهند إذا قررت مهاجمته. وسيكون هنالك دمار أوسع، ولكن يمكن اتخاذ إجراءات للحد من ذلك.
من الممكن أن تكون البنية التحتية للجيش الباكستاني، كالجسور على الأنهار، والطرق، أهدافاً محتملة كذلك. ولكن مهاجمتها يمكن أن تتم في وقت لاحق، إذا لزم الأمر. ويمكن كذلك اللجوء إلى سلاح الجو، وطائرات الهيلوكبتر، إذا قررت باكستان تصعيد مستوى الاشتباكات. وسيتم في مثل هذه الحالة تبرير شن هجوم على معسكرات عسكر طيبة عبر حدود إقليم البنجاب . وطالما لا يتم استخدام قوات برية زاحفة، فإنه سيكون بالإمكان الحد من نطاق توسع العمليات العسكرية.
لا بد من إرفاق الهجمات عبر الخط الفاصل بهجمات مستدامة داخل باكستان حتى يكون للعمل العسكري أثر دائم. غير أن مستوى العمليات الهندية الخاصة داخل باكستان تراجع بأوامر من رئيس الوزراء الهندي عام 1997. وستستغرق استعادة مثل هذا النشاط من ثلاث إلى خمس سنوات لإلحاق إصابات مؤثرة بالمنظمات الإرهابية. ولا بد من أن تستمر أي عمليات عسكرية هندية يمكن شنها في الوقت الراهن لإجبار باكستان على وقف نشاطات المنظمات الإرهابية، والحيلولة دون أي هجمات جديدة داخل الهند.
من المتوقع أن تلقى الإجراءات العسكرية العقابية انتقادات من جانب المجتمع الدولي، ولا سيما من الولايات المتحدة, غير أن تلك الانتقادات سرعان ما تتراجع، ثم تختفي. وسيجد الجيش الباكستاني أن هناك خطورة كبرى في شن الهجمات على الهند، وبالتالي فإنه سيضطر ، مع جهات باكستانية أخرى، إلى سحب تأييده للمنظمات الإرهابية. وستخبرنا الأيام المقبلة إذا ما كانت الحكومة الهندية ستلجأ إلى استخدام القوة، أو تكتفي بالجهود الدبلوماسية. غير أن هناك غضباً جماهيرياً متزايداً إزاء الأعمال الإرهابية المقبلة من باكستان، وبالتالي فإن الاكتفاء بالدبلوماسية يمكن ألا يكون كافياً لتهدئة المشاعر الملتهبة.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: opinionasia