الحوافز والدور الغائب لمضاعفة الإنتاجية
هل لدى كل المسؤولين في القطاع الخاص إيمان عميق بجدوى الحوافز المادية والمعنوية للارتقاء بمستوى الأداء والإنتاجية؟ ربما يكون الجميع مؤمنين بأهمية الحوافز, لكن ما تفسير محدودية التجارب والتطبيقات في هذا الجانب؟ إذ من النادر أن نرى شركة طبقت برنامجا مبتكرا للحوافز وكان له الفضل في صنع النتائج الاستثنائية على مستوى الأداء أو الأرباح، فمعظم ما نراه لا يخرج عن المألوف مثل المكافآت السنوية "البونص" التي تصرف عند تحقيق الأرباح المستهدفة، أو العمولات التي تمنح لمن يعمل في قطاع المبيعات كنسبة على الصفقات التي يتم إحرازها، وبالرغم من فاعلية هذين النوعين من الحوافز، إلا أنهما لا يخلوان من بعض القصور في التطبيق، فالمكافأة السنوية حسبما نراه مطبقا هي عبارة عن صرف عدد من الرواتب لكل عامل في الشركة، وفي كثير من الأحيان يتساوى الجميع في طريقة صرف المكافأة، فليس هناك فرق بين العامل ذي الأداء المؤثر في الإنتاجية وغيره من ذوي الأداء العادي، وربما تقوم بعض الشركات بوضع ضوابط تنظيمية لطريقة الصرف فتربط مقدار المكافأة بمستوى الأداء السنوي للعامل، ولكن تظل فاعلية هذا الإجراء مرهونة بسلامة المعايير المطبقة في قياس النتائج التي يعتمد عليها التقويم. أما برنامج العمولات فهو مقتصر في الغالب على فئة محدودة من العاملين دونا عن البقية، ما يؤثر سلبا في أداء من لا يشملهم هذا البرنامج، فيشعرون بتجاهل الإدارة للدور الذي يقومون به، بينما هم في الواقع جنود مجهولون دون تعاونهم ومساندتهم لا يستطيع رجال المبيعات تحقيق هذه الصفقات، ومع أن هذا القول تدركه الشركات، إلا أن أكثرها تتجاهله مكتفية في سياستها للحوافز بالتركيز على العاملين في المبيعات والتسويق باعتبارهم اللاعبين الرئيسيين في عملية تصريف المنتجات وجني الأرباح.
قد يرى بعض ملاك الشركات أو المسؤولون فيها، أن الأرباح المحققة هي حق لملاك الأسهم ولا يجوز لأحد مشاركتهم في هذه الأرباح باعتبارها عوائد للأموال المستثمرة، أو أن الشركة تدفع أجورا مجزية وعلى العاملين أن يؤدوا في المقابل ما عليهم من واجبات ومسؤوليات على أكمل وجه، وبالتالي ليس مطلوبا من الملاك أن يتبرعوا بصرف أي مبالغ إضافية مقابل ذلك. مبدئيا لا أحد ينازع ملاك الشركات في حقهم بالأرباح أو يفرض عليهم أسلوبا في الإدارة طالما أنهم قد دفعوا للعاملين الأجور العادلة مقابل عملهم، ولكن ألا يرغبون في تعظيم مكاسبهم من خلال ربط مصالح العاملين بمصالح الشركة بصورة أكثر وضوحا من مجرد صرف الراتب في آخر الشهر، فمهما كانت إدارة الشركة فطنة وماهرة لن تستطيع أن تجعل العامل يحمل همَّ نجاح الشركة طوال ساعات العمل أو أن تدفعه إلى التفكير في كيفية تعظيم مكاسبها خارج ساعات العمل، ولكن يمكن ذلك إن هي وضعت نظاما للحوافز يستطيع العامل من خلاله أن يزيد من دخله كلما نجح في جعل أرباح الشركة تنمو وتزداد سواء كان ذلك بفعل زيادة المبيعات أو خفض التكاليف أو تحسين وتطوير الأداء. قد يحدث بعض ذلك من دون برنامج للحوافز، ولكن بشكل محدود وبمبادرات فردية من بعض الموظفين الذين يتميزون بحب النجاح وتحقيق الإنجازات، وقد أثبتت التجارب أن نظام الحوافز يزيد من شريحة هؤلاء الموظفين في الشركات فتتحقق لها إنجازات لم تكن لتضعها في الحسبان لولا برنامج الحوافز الذي طبقته، فالعامل بطبيعته البشرية لا ينشط لأداء عمل ما إذا لم ير من ورائه عائدا يعظم مكاسبه فيشعر أنه كلما زاد نشاطه زادت عوائده فيفرح ويبتهج لنجاح الشركة لأنه يشاركها في عائد هذا النجاح ويحزن ويبتئس لفشل أو إخفاق الشركة لأنه أيضا يشاركها خسارة هذه العوائد.
الشركات المنفتحة على التجارب التي من شأنها إحداث تغيير في الطريقة التي يفكر فيها العاملون ليصبحوا أكثر إدراكا وتفاعلا مع أهدافها واستراتيجياتها، عليها أولا أن تخرج من دائرة الطرح التقليدي لبرامج الحوافز الذي اعتادت تطبيقه بعض الشركات من باب التقليد للغير، فالحوافز ليست مقتصرة على صرف المكافآت السنوية و العمولات بالطريقة التي أشرنا إليها آنفا، فلكل شركة ظروفها ولكل عمل طبيعته، لذلك لا بد من تصميم البرنامج الذي يناسب مختلف أنشطة الشركة فلا يخص العاملين بإدارة دون الأخرى، بل يكون برنامجا شاملا متكاملا يشعر الجميع فيه أن جهودهم مقدرة وتخضع للقياس لتحديد أثرها في أداء الشركة بشكل مباشر أو غير مباشر فتترابط مصالح العاملين بعضها بعضا لخدمة أهداف واستراتيجيات الشركة.