فازت عمان على الهلال!!
جملة ترددت في الفترة الأخيرة بوجه حق أو دون وجه حق بعد خروج منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم مهزوما من نظيره عمان الناشئ في نهائي "خليجي 19". إنني كمواطن لا يضيرني كون منتخبه الوطني كله أو جله هلاليا أو إتحاديا أو نصراويا أو حتى ربيعيا، فقد سبق أن ذخر المنتخب السعودي بثمانية لاعبين من نادي الاتحاد في إحدى الدورات، إن ما يهمني أولا وأخيرا أن أولئك اللاعبين أبناء يمثلون الوطن فلاعب الهلال ابن الوطن كما هو لاعب النصر أو الاتحاد أو الاتفاق أو الوحدة.
ويحق لنا أيضا من جهة أخرى، أن نتساءل تساؤل عامة الناس حول أسس الاختيار التي بنى عليها المدرب الوطني ناصر الجوهر قناعاته بالزج بالعدد الأكبر في التشكيلة الوطنية من نادي الهلال، فهل كان قراره حبيس المهارات الفردية فقط، فمنتخب عمان كما شاهدنا قد سلبنا البطولة بالجماعية وليس بالمهارات الفردية. إننا في حاجة إلى النظرة الشمولية والفنية على حد سواء، والتي تراعي طبيعة المجتمع السعودي بثقافاته المختلفة، وما يواجهه الشارع الرياضي من احتقان لم يجد من يكبح جماحه المدمر. إن الحذر في اتخاذ قرار تشكيل المنتخب يفرض نفسه ـ شئنا أم أبينا ـ في ظل هذه المعطيات وذلك الاحتقان، فثقافة الفوز في بطولة محدودة الجغرافية أو الاستعجال بها يجب ألا تتخطى مبدأ أننا لا نعمل في فراغ، فالمؤمن كيس فطن ومحسوب عليه كما هو محسوب له. إن ما طرحته بعض الأقلام بعدم وجود البديل في كل الـ 153 ناديا هو أمر مزعج ويعني أن نواجه كارثة رياضية وهو أمر غير مقنع ويخالف بكل المقاييس ما تذخر به ساحتنا الرياضية من قدرات وما تقوم به الرئاسة العامة من تحركات، فما لا يدرك كله لا يترك جله. إننا في حاجة إلى نظرة شمولية تضع في اعتبارها أن حصر عطائنا وخططنا في المهارات الفردية للاعب لا تخدم لنا هدفا ولا تمثل لنا أملا، ونحن على أعتاب بطولة يشاهدها المليارات وتتطلب وقوفا ودعما من جميع شرائح الوطن.
لقد أفرز خروج المنتخب الوطني من تلك الدورة المحدودة الأبعاد، مناوشات صحافية وإعلامية واستديوهات تحليلية أظهرت بجلاء ما يجول بخواطر الناس بغض النظر عن كونها إفرازات صحية أو مرضية أو تعصبية، فقد أثخنت آلاف الرسائل والتعليقات الساذجة بل والسيئة على المنتديات مجتمعنا الرياضي أفرادا وقيادات، وأثخنت في الوقت نفسه ما تبقى لنا من آمال في وقوف جميع شرائح المجتمع خلف منتخبه الوطني، وألقت بظلالها على المعركة المفصلية التي سيخوضها منتخبنا مع كوريا الشمالية قريبا، لقد ابتعدنا كثيرا كثيراً عن نزاهة الكلمة والميول وتقديم المصلحة الوطنية على شعارات الأندية وألوانها وتخطينا في انتقاداتنا وردود أفعالنا الاحترام المتبادل بيننا، متجاوزين بمراحل تلك المعطيات وحجم تلك البطولة، وشغلنا ساحتنا الرياضية بأخذ ورد وتجاوزات ساءت إلى كيان وطن بأكمله عرف عبر تاريخه بنزاهة الكلمة والرأي ومعالجة الأمور بالحكمة والروية، ورحم الله الخليل بن أحمد الفراهيدي حين قال:
أعمل بعلمي وإن قصَرت في عملي *** ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
إن مجتمعنا الرياضي ثري بالعشرات من الذين لا ترى أعينهم إلا مصلحة الوطن والكيان، وإنني على يقين أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب تحتاج في وقتنا الحاضر إلى دعم من كافة الشرائح الوطنية، ولقد علمتنا التجارب بضرورة الاستفادة من الاستشارة التطوعية المجانية والموازية للمجموعة الاستشارية القائمة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب لتسهم في خلق التوازن، ومنح مساحة وزوايا أخرى لأصحاب القرار بالمساهمة بالرأي والمشورة. إنهم ضالتنا متى نجحنا في اختيارها بعيدا عن الرسميات والأسماء اللامعة فمشورتهم نابعة من قلوبهم. إن على الجميع وضع ولائهم وشعاراتهم وبشوتهم وعمائمهم وأشمغتهم جانبا، ويجلسون على الأرض بعيدا عن الرسميات يطرحون ويناقشون بالرأي المحايد الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم إلا من خلال قناة واحدة ومصلحة وطن اسمه "المملكة العربية السعودية" فليست الثمانية الألمانية عنا ببعيد، والله المستعان.