المسكن النواة لتمكين الأسر الفقيرة
حدثتكم في مقالات سابقة عن أهمية التدخل لتمكين الأسر التي لا تستطيع الحصول على المسكن من توفيره بنفسها بدلاً من تقديمه لها بوصفه منتجاً نهائياً؛ خصوصاً أن العديد من الحكومات تقف عاجزة عن توفير المسكن بوصفه منتجاً نهائياً لجميع الأسر، وهو ما يدفعها إلى تبني أساليب إشراك الأسر في عملية توفير المساكن من خلال برامج التمكين المتنوعة. واستعرضت أيضاً عدداً من أساليب التمكين وبدائله المتاحة (مثل: تدريب السكان على إنشاء مساكنهم بأنفسهم، أو تقديم المساعدات العينية والمادية لهم، أو بتوفير "نواة" – فقط - لمسكن أساسي).
وذكرت لكم أن التعامل العاطفي من بعض المعنيين بتوفير الإسكان للأسر الفقيرة، ورغبتهم في تحقيق العدالة الاجتماعية بتوفير مساكن للأسر الفقيرة تماثل مساكن الطبقة المتوسطة؛ غير ممكن "مادياً وواقعياً" مهما بلغت حسن النوايا، كما أن منح الأسر الفقيرة (عدا كبار السن والأرامل والعجزة) مساكن مماثلة في مستواها لمساكن الأسر الأخرى التي تَجدُّ، وتشقى، وتعمل، وتنتج بإيجابية للوصول إلى المستوى الذي حققته؛ ظلم فاحش لكلا الفريقين، فحينها لم يعد لجدِّ المُجدِّ قيمة، ولم ندفع بالخامل إلى العمل. فمنح الأسر الفقيرة مسكناً مماثلاً لمساكن الأسر متوسطة الدخل لا يمنحها الدافع للعمل بإيجابية على التغيير من وضعها الاقتصادي. بينما لو تم توفير مسكن "نواة" يكون: صحياً، وآمناً، وموفراً للعناصر المعيشية الأساسية القابلة للنمو؛ فإننا أولاً: نرفع عن الأسرة همَّ توفير المسكن الملائم، والتكاليف اللازمة للحصول عليه، ونمنحها ثانياً: الفرصة الحقيقية والسهلة للعمل على تحسين مسكنها بمقدرتها الذاتية، والعمل بجد لتحقيق ذلك.
وعلى الرغم من أن المسكن "النواة" في كثير من المجتمعات لا يزيد على غرفة واحدة ودورة مياه يمنح للأسر الفقيرة على أن تتولى الأسرة استكمال بقية العناصر، غير أني أرى أن مسكناً مكوناً من: ثلاث غرف مع دورتي مياه، ومطبخ، وسلم للوصول إلى السطح والانتفاع به، وتمكين الأسرة بعد ذلك من إضافة غرف وعناصر جديدة عليه؛ يمكن أن يكون "نواة" و"أساساً" لمسكن يحقق المتطلبات الأساسية للأسرة السعودية. حيث يمكن أن تخصص الغرفة الأولى لنوم الوالدين ولحفظ الأغراض الشخصية للأسرة في خصوصية مطلقة، أما الغرفة الثانية فتستخدم في الليل لنوم البنات ومن يقيم مع الأسرة من الأقارب الإناث، وتستخدم في النهار لمعيشة الأسرة، ولاستقبال الضيوف من النساء، وتستخدم الغرفة الثالثة - التي يجب أن تكون متنحية عن الغرفتين السابقتين وقريبة إلى المدخل – لنوم الأولاد ومن يقيم مع الأسرة من الأقارب الذكور، وتستخدم أيضاً مجلساً لاستقبال الضيوف الرجال. أما دورتا المياه فتخصص واحدة بالكامل في منطقة الأسرة، بينما توضع الأخرى في منطقة متوسطة بين الغرفة الثالثة وجزء الأسرة ليمكن استخدامها من قِبَل الأسرة وكذلك من قِبَل الضيوف الرجال.