هل تتفوق القمة الاقتصادية العربية على "السياسية"؟
" أخوك من نفعك لا من ادعى أنه قريب"
القائد طارق بن زياد
تنعقد القمة الاقتصادية التنموية الاجتماعية العربية اليوم، وهي مثقلة بمجازر غزة، وكأن القمم العربية تنقصها الهموم، والشجون، والكوارث. ففي عمق وهوامش القمة، ملفات لا تقل عددا عن ملفات "القمم السياسية". لكن الذي يبدو– من خلال مراقبة الحراك الاقتصادي العربي - أن الاقتصاد ألطف وقعا، وأسهل هضما - رغم تبعاته وثقل دمه - على العرب .. من السياسة. من هنا جاء عنوان هذا المقال، الذي يمثل سؤالا يطرحه الفرد العربي، بالطريقة نفسها التي يطرحه بها المسؤول المتوجه إلى الكويت للمشاركة في هذه القمة. وإذا كانت القمم السياسية مرتبطة بقضايا آنية لها بعدها الاستراتيجي، فإن القمة الاقتصادية اليوم مرتبطة بقضايا استراتيجية لها بعد آني. فكيف لا، وهي تلتئم بغياب حلقة أساسية في منظومة الوحدة الاقتصادية، وهي السوق العربية المشتركة، وفي ظل أهوال ليس أقلها الفقر والأمية والبطالة، وغياب التأهيل، وتراجع مستوى التعليم، مع تواصل تواضع مستوى الاستثمارات المشتركة، ومعها حجم التجارة، وغياب الاتحاد الجمركي، فضلا عن ارتفاع وتيرة هجرة رؤوس الأموال إلى خارج المنطقة العربية، إلى جانب المشكلات الكبيرة في مجالات النقل، والمياه والكهرباء، مع الهول الوحشي المتجدد المتمثل في الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أطبقت فكيها على الجميع، وأخذت تجتر التنمية والنمو .. بل الكرامة في بعض الحالات.
ومن هنا فإن هذه القمة – ربما الوحيدة بين القمم – التي ينبغي ألا تنتج كلاما.. بل أفعالا. فنحن نعلم أن الناس قد يشكون في الأقوال، لكنهم لا يشكون بما يرونه من أفعال. نحن أمام قمة فيها من عناصر العمل، أكثر من "موضوعات الإنشاء"، وفيها من مكامن التشريع، أكثر من لافتات الشعارات والأناشيد، وفيها من الوقود للحركة نحو المستقبل – بل لصنع المستقبل - أكثر من الأحلام القومية في الأمس واليوم والغد. ولعل الذي يزيد حجم التوقعات الإيجابية في هذه القمة، أن القائمين عليها استبعدوا مناقشة قضايا عامة – على عكس السياسية طبعا - وهذه الخطوة وحدها توفر حيزا واسعا للتحرك في أعقاب انتهاء القمة. فموضوع السوق العربية المشتركة المنشود – رغم محوريته – يجب أن يناقش من ناحية التشريعات التي تطور آليات الحركة التجارية، وتزيل العوائق أمام حرية انتقال الأفراد والسلع والبضائع، وقبل هذا وذاك، أن يتم العمل على تأسيس صندوق عربي للتنمية، يشرف على حركة التنمية اللازمة في الدول العربية الفقيرة. وكذلك الأمر في موضوع منطقة التجارة الحرة، التي أطلقت رسميا في عام 2005. فهذه المنطقة تحتاج إلى مزيد من التطوير التشريعي، والمرونة والتطويع. ولن يتحقق هذا عن طريق "اتفاق الأشقاء" على أهمية وجود المنطقة المذكورة، بل من خلال إزالة ما تبقى من عقبات – وهي كثيرة - في طريقها. وإذا كان قطاعا الاستثمار والتجارة سيستحوذان على النصيب الأكبر من المشروعات المقدمة للقمة الاقتصادية، حيث بلغت نسبتها 23 في المائة من جملة المشروعات والمقترحات البالغ عددها 442، إلا أن هذا لا يمكن أن يوفر للقمة مساحة واسعة للنجاح، إذا ما كانت الجوانب الخاصة بالمجتمع والتنمية أقل اهتماما وعددا. ولكي نكون أكثر واقعية، يجب أن تتقدم المشروعات التنموية والمعيشية، عن كل المشروعات لأنها تمثل الأساس في كل شيء. فكيف يمكن أن نحقق تنمية ما، وحجم البطالة في العالم العربي بلغ 14 في المائة من إجمالي عدد السكان؟ أي أن العالم العربي يعج بأكثر من 17 مليون عاطل، من بينهم 25 في المائة من الشباب، الأمر الذي وضع العرب – لأول مرة في التاريخ الحديث - في المركز الأول. لكن أين؟ في قائمة الشعوب الأكثر ابتلاء بالبطالة! لا شك أن مشروعات التجارة والاستثمار إذا ما نفذت على الساحة العربية، ستوفر مزيدا من فرص العمل. لكن هناك مشكلة كبيرة أخرى تظهر هنا ترتبط بمستوى التأهيل المهني والتعليمي لدى الفرد العربي. أي أن أية محاولة لتشغيل العاطلين، يجب أن تسبقها مشروعات التعليم والتأهيل وهي الأهم على الإطلاق، مقارنة بكل المشروعات المطروحة.
مهلا .. لم تنته الأحجية بعد. العالم العربي الذي يعج بـ 17 مليون عاطل، "يذخر" بـ 100 مليون أمي، 75 مليونا منهم تراوح أعمارهم بين 15و45 عاما. أي أن 30 في المائة من سكان العالم العربي لا يعرفون القراءة والكتابة، بينما ترتفع نسبة الأمية بين الإناث إلى 46,5 في المائة. مرة أخرى .. تحتل المنطقة العربية المركز الأول، لكن هنا في قائمة المناطق الأكثر مصيبة في عدد الأميين. وهذا يقودنا إلى "حقيقة علقمية" – إن جاز التعبير- وهي أن التأهيل على أهميته، وإصلاح التعليم على ضرورته، لن يصلا إلى أعلى درجة من النجاح، إذا لم تحل مصيبة الأمية. فهذه القضية لا ترتبط بـ 5 أو 10 في المئة ، بل بـ 30 في المئة، وإذا ما استمر التراخي في هذه المسألة، يتوقع الخبراء أن تصل الأمية في العالم العربي إلى 40 في المائة في غضون السنوات العشر المقبلة. إن التنمية من دون توعية اجتماعية، مثل الشخص الذي يمتلك أربع عجلات، وتنقصه السيارة فقط! ولذلك فإن العرب أمام حقيقة، قد تكون أقل فداحة من حقائق "غزة الآن"، لكنها أشد هولا في المستقبل. نقول المستقبل.. أي مستقبل هذا وأهم عناصره – الأجيال الناشئة – محتشدة بأكثر من 100 مليون شخص لا يعرفون "فك الخط"؟
لا نغالي إن قلنا، يجب أن يطلق على اجتماع الكويت اسم "القمة التنموية والاجتماعية والاقتصادية العربية". فعلى الرغم من تداخل كل هذه العناصر مع بعضها بعضا منطقيا، إلا أن تنمية الفرد توفر مجتمعا صحيا، يشكل بدوره اقتصادا زاهرا. ومع ذلك فالتسميات ليست مهمة، إذا ما كانت الأفعال على قدر أهمية القضايا. فهذه القمة هي فرصة للعرب ليؤكدوا لأنفسهم ولشعوبهم، أنه يمكن الخروج منها فورا إلى ورشات العمل، لا إلى المؤتمرات الصحافية، وإلى الساحات لا إلى القاعات، وإلى الغد لا إلى الأمس. إنها فرصة لإعادة شيء من الثقة إلى القمم العربية برمتها.
فـ "السياسية" لم توفق بعد. فلماذا لا توفق "الاقتصادية" لاحقا؟!