شركة الاتصالات السعودية والطريق نحو العالمية.. أهي مثال؟
في مقال سابق لي في هذه الصحيفة في عددها رقم 5535 بتاريخ 8/12/1429 للهجرة ناقشت مسألة العالمية وسبب عدم سلك كثير من الشركات السعودية الطريق إليها رغم توافر الإمكانات والموارد لديها، متسائلاً عما إذا كان ينقص شركاتنا الإرادة أم أنها معضلة لا يحسنون التعامل معها فقد تنقصهم الخبرة، التجربة، أو المعرفة في تحقيق انتشار دولي وعالمي كبير يحتاج إليه اقتصادنا أكثر من أي وقت سبق. في ذلك المقال، كنت أتمنى أن يحدث شيء من النقاش حول هذه المسألة المهمة لمستقبل شركاتنا واقتصاد بلادنا، إلا أن النقاش كان ضعيفاً، ضئيلاً، لم يتعد عدداً قليلا من الردود والإيميلات.
اليوم أعود إلى المسألة نفسها ليس للدعوة من جديد إلى النقاش فحسب بل لكي يتم نقاش نموذج لشركة سعودية خطت خطوات كبيرة نحو العالمية يمكن للشركات الخاصة السعودية التدقيق والتمعن في تجربتها والاستفادة منها أو أن تتحاشى ما يمكن اعتباره غير موفق في خطواتها أو استراتيجيتها إجمالا. شركة الاتصالات السعودية هي ثالث أكبر شركة سعودية بعد "أرامكو" و"سابك" وهي الوريث للهاتف السعودي. هذا الميراث لشبكة الاتصالات في المملكة أعطى شركة الاتصالات السعودية كثيرا من الميزات التنافسية، وفي الوقت نفسه سبب لها بعض المتاعب التي لا تزال تحتاج إلى كثير من الوقت لكي تعالجها مثل الصورة البيروقراطية التي كانت توجد في وزارة الهاتف السابقة أو الاحتكار الكلي أو السيطرة الكاملة على شبكة الاتصالات الأرضية أو الارتباط الحكومي الذي كان موجوداً. هذا كله لا يزال يؤثر في صورة الشركة في أذهان العملاء ولا يزال يؤثر في مواقفهم وسلوكهم نحو الشركة.
اليوم شركة الاتصالات السعودية توجد في جنوب شرق آسيا (إندونيسيا وماليزيا) وفي الهند وفي تركيا وجنوب إفريقيا ولبنان والأردن وبعض دول الخليج. انتشار دولي جيد جداً مقارنة بعمر الشركة التي أحدثت تغييرات كبيرة في تركيبتها وهيكلتها واستراتيجيتها منذ تحولها إلى شركة مساهمة. هذا الانتشار الدولي لا يرقى بالشركة إلى وصفها بشركة عالمية في هذه المرحلة من التطور ولكنها بكل تأكيد شركة دولية، سوف تُحدد السنوات المقبلة ما إذا كانت تمتلك ليس فقط الإبداع الإداري والاستراتيجي فحسب، بل الإبداع التسويقي المهم في تحقيق حضور واستمرارية في هذه الأسواق التي تتميز بمستوى عال من المنافسة التي تتركز على جذب واكتساب والمحافظة على عملاء جدد، وهو الأمر الذي يتطلب فهما كبيرا لثقافتهم الاستهلاكية والتعاملية وثقافتهم المحلية إجمالاً. المراقب للخطوات التي اُتخذت في الفترة القصيرة الماضية يدرك أن الشركة بدأت في تنفيذ استراتيجية حدودها تتعدى الدولية نحو حضور عالمي قد يشمل قارات العالم الخمس ستتضح معالم هذا التوسع بشكل أكبر في خطواتها التوسعية في الفترة القصيرة المقبلة.
شركة الاتصالات السعودية لا تزال تدير أنشطتها في هذه الدول من خلال مجموعة من الشراكات مع مشغلين محللين وهذا لا تشوبه أي شائبة في هذه المرحلة التطورية للشركة. إلا أن الطريق نحو الحضور العالمي الكامل سيستدعي التشغيل المباشر والكامل في بعض الدول الرئيسية تنافسياً مستخدمةً اسمها وشعارها الذي أحدَثت بعض التغييرات عليهما لكي تغير صورتها لتنفض عن ثوبها بعضاً من غبار الأمس ولتظهر روحاً إبداعية جديدة بشكل يناسب ويواكب استراتيجيتها الانتقالية نحو آفاق العالمية ومراكزها النابضة في شتى أنحاء المعمورة. لم يكن التغيير في شعار الشركة مفاجئا فهذا كان متوقعاً، إلا أن توقيت هذا التغيير أتى بعد دخول شركة زين السوق السعودية بأسابيع قليلة وهو الأمر الذي أحدث شيئاً من التعتيم على صورة شركة زين وجذب انتباه العملاء بعيداً عنها، فقد نجحت إلى حدٍ كبير في هذا التوجه. قد يختلف البعض في ما إذا كان هذا التوقيت مناسباً ألا وهي ذات المطامع العالمية، وقد يختلف البعض في ما إذا كانت التسمية والشعار الجديدين يناسبان توجهها العالمي. بغض النظر عن الاختلافات التحليلية، فإن الشركة ماضية في طريقها نحو العالمية، فمن أهم خططها في الفترة القليلة الماضية هو تعاقدها مع نادي مانشستر يونايتد الشهير لرعايته لمدة خمس سنوات لتعزيز ماكينتها التسويقية المهمة في خطاها نحو تحقيق قدر أكبر من العالمية ولتعزيز قدرتها التنافسية في هذه الأسواق.
تجربة شركة الاتصالات السعودية تجربة تستحق المتابعة، فالتحديات أمامها كبيرة جداً فهناك حاجة مستمرة إلى إعادة هيكلتها كلما توسعت في الأسواق العالمية وزاد حجمها الإداري، وهناك حاجة للحفاظ على ثقافتها وقِيمها الإدارية وتطويرها لتواكب التغييرات في الأسواق وللحفاظ على مقدرتها التنافسية، وهناك حاجة مستمرة لتطوير فكرها الاستراتيجي وتعزيز مصادرها الإبداعية والابتكارية، وهناك حاجة مستمرة لتحقيق وإنجاز توقعات عملائها المتغيرة أينما كانوا. الطريق نحو العالمية طريق طويل وشاق، يحتاج إلى مهارات إدارية ذات حس استراتيجي رفيع المستوى ووعي باختلاف طبيعة وتركيبة وثقافة الأسواق الدولية. التنافس على المستوى الدولي يتطلب فكرا من نوع غير تقليدي، فكر مرن إبداعي يكون للتسويق والاتصال دور جوهري يحافظ من خلاله على هوية الشركة وصورتها وتعزيز مكانتها الدولية والعالمية. هناك طرق عديدة للوصول إلى العالمية إلا أن أنجحها هو ما يعزز مكانتها التنافسية ويرفع ربحيتها ويرفع رضاء عملائها ويعود على اقتصاد بلدها بالنفع الكبير.
هذا بعض من تجربة شركة الاتصالات السعودية نحو العالمية، فهل لنا بأمثله أخرى قد تفيد في إثراء فكرنا وفهمنا ومعرفتنا عن الطريق نحو انتشار أوسع للشركات السعودية؟ هل لنا أن نناقش هذا الموضوع المهم إما في مؤتمر وإما حصة دراسية في كلية إدارة أعمال أو في غرفة تجارية أو في أي مكان؟ في نهاية هذه المرحلة الاقتصادية العالمية التي يعاني فيها كثير من الدول سيكون هناك وقت موات لتحقيق انتشار أكبر لشركاتنا التي تمتلك ملاءة مالية كبيرة، هذا إذا كان لديها الإرادة!!