وزارة العمل حان وقت التغيير
منذ أن تولى الدكتور غازي القصيبي وزارة العمل استطاع في وقت قصير أن يضعها محور الاهتمام, ولم يحتج الأمر منه جهدا كبيرا, فكل ما فعل هو أن رفع لواء السعودة وسارع إلى تفعيل قرارات كانت على الرف, وبات يمحص طلبات الاستقدام بنفسه ولا يترك مناسبة دون أن يذّكر بضرورة توظيف السعوديين بدلاً من المستقدمين, والكل يعرف ما جرى من سجالات بينه وبين بعض أصحاب الأعمال.
لم تكن وزارة العمل "وهي شق العمل من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية" تسترعي اهتمام جمهور المواطنين, خاصة العاملين في القطاع الخاص, إلا فيما يخص مكاتب العمل التي قصرت عملها على حل الخلافات العمالية وإصدار رخص العمل, أما عملية التوظيف فلم تكن سوى سجل يدون فيه طالب الوظيفة اسمه ليمنح خطابا لأي مؤسسة يختارها أو يحددها له موظف السجل يطلب فيه توظيف المذكور لديها. غير أن الإدارة التي يوليها الجمهور اهتماما يذكر هي مكتب الاستقدام التي لا يزال يعتقد كثيرون أنه تابع لوزارة الداخلية, ومع أن وزارة العمل يفترض بها تنظيم أهم نشاط اقتصادي في البلاد, إلا أنها نتيجة ـ فيما يبدو ـ لسيادة الفكر التقليدي فيها لم تبرح تفتح أبواب مكاتب العمل ليكون العمل كالمعتاد مشكلات خروقات نظام العمل, وإجراءات توظيف غير فاعلة, وإحصائيات مغيبة أو غير دقيقة وبرامج تفتيش العمل غير موجودة تقريباً. وقرارات مؤثرة في العملية الاقتصادية غير مقنعة.
إن ما يجب على وزارة العمل هو تولي القيادة بصورة فاعلة بحيث تخطط وتضع معايير وتنفذ برامج تهدف إلى تعظيم الفائدة من العمل, وليس المقصود هنا أن تقوم الوزارة بفرض قرارات وأساليب على مرافق العمل بصورة قسرية, ولكن أن تستوعب أولا طبيعة التحديات الاقتصادية التي تواجه وستواجه المملكة في المستقبل المنظور من حيث طبيعة النشاطات الاقتصادية الإنتاجية, وتنافسية المنتجات السعودية خارج البلاد وداخلها, والطبيعة الديموجرافية للمملكة من حيث التوزيع السكاني في المناطق وسيادة مضامين فكرية غير متسقة لطبيعة العلاقة بين صاحب العمل والعامل, ثم تقيم بصورة منهجية مدى المخاطر التي تترتب على الاعتماد على العمالة الأجنبية, وبناء عليه تخطط لتنمية قوة عاملة وطنية يعتمد عليها من حيث التهيئة الفكرية المحققة لتجانس في مفهوم العمل كقيمة ذاتية تكسب احتراما اجتماعيا وتضمن استقلالا مادياً يحقق الرخاء ويحفظ كرامة الفرد.
والوزارة مطالبة كجزء من دورها في البناء الوطني, بأن تضع البرامج وتؤسس المعاهد وتنسق مع مؤسسات التعليم العام والجامعي من أجل بناء تقانة عملية لدى الخريجين, ويجب ألا تقف عند ذلك, فهي مطالبة أيضا ببناء قنوات التوظيف التي تمكن الخريجين من إيجاد الوظائف المناسبة في أقصر مدة ممكنة. وبعد أن تفرغ من ذلك كله عليها أن تهتم بتفعيل قوانين العمل وتضع معايير السلامة المهنية وتكفل قيام الجمعيات المهنية الهادفة إلى بناء الفاعلية المهنية المكرسة للتطوير المهني. وزارة العمل بعد هذا مطالبة بحماية هذا الدور ومنجزاته, فعليها أن تسهم في البحوث والدراسات وتضع الإحصاءات التي تبرر أهدافها ونشاطاتها, وألا يكون اهتمام الوزارة منصبا على الفرد كونه عاملا, بل يجب أن يتخطى ذلك إلى المحيط الذي يؤثر في مدى فاعلية أداء ذلك العامل, ويشمل ذلك منظومة القوانين والتشريعات العامة والخاصة ومجمل السلوكيات المحددة لعلاقة العاملين ببعضهم. ولغة العمل "إن واقع استخدام لغة غير اللغة العربية في محيط العمل اليوم مناوئ لتفعيل قدرات العامل السعودي ومساهم في تفعيل قدرات العامل الأجنبي بغض النظر عن القدرة المهارية لأي منهما".
لقد بات على وزارة العمل اليوم أن تلبس ثوب التغيير, والتغيير المطلوب يتمثل بالدرجة الأولى في تغيير المفهوم التقليدي بأنها وزارة سلطة, ليحل محله مفهوم جديد يعتمد على المبادرة والخدمة والتخطيط والتنافسية والتفعيل الأجدى لمجمل الموارد البشرية الوطنية والمستقدمة بقصد تقوية المؤسسة الاقتصادية السعودية. ولتدعم الوزارة ذلك التغيير لا بد أن تغير حتى اسمها من وزارة العمل إلى وزارة تنمية وتفعيل الموارد البشرية.