المكسب الخيّر

على الرغم من التغيير الحاصل في ثقافة العمل في مجتمعنا إلا أننا ما زلنا نعاني من نظرة الانتقاص للحرف اليدوية والكسب اليدوي عموماً، والحقيقة أننا لا نعلم متى كانت بداية هذه النظرة هل هي نتيجة تراكمات تاريخية في المجتمع؟ أم هي وليدة العصر الحديث تبعا لنظرة طبقية؟
لكنّ تاريخنا الإسلامي على سبيل المثال يأتي لنفي وجود مثل هذه المشكلة في بدايته، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يعمل بيده ويشجع الكسب من عمل اليد ومثله الأنبياء عليهم السلام لكلّ منهم حرفة يجيدها.
ومع ذلك تكبر أجيال من أبناء وبنات المسلمين ويتحوّل التقدير إلى احتقار! الكثير من الشباب والشابات اليوم يبحثون عن فرص عمل روتينية تتطلب أقلّ جهد وأكبر دخل ممكن، دون الحاجة إلى إعمال الجسد والعقل, ويرون أن العمل العضلي مؤذٍ للروح وباعث على الانحدار الخُلقي, وهم في ذلك يذهبون إلى تقسيم البشر بشكل قاصر وظالم.
على العكس تماماً نجد في الولايات المتحدة الأمريكية – كمثال لبلد غربي متطور - نماذج مشجّعة للحرف والصناعات اليدوية, والسبب يعود لحقبة تاريخية بعمر تأسيسها حيث توجّه الجميع إلى التصنيع وتطويع المناطق الشاسعة وخلق فرص عمل جديدة كلّ يوم.
فغالبية السّكان آنذاك هم من المهاجرين الكادحين الذين وفدوا إليها هرباً من سلطة الإقطاع الذي أجبرتهم على الكدّ بلا مردود، وبحثاً عن حرية العمل الذي تهواه أنفسهم.
مما ولّد أجيالاً لاحقة لا تتردد في مواجهة صعوبات الأرض والمشكلات الاقتصادية المصاحبة، متبّعين بذلك تجربة من سبقوهم في الإقدام والثقة بالنفس وعدم احتقار أي مجال عمل ما دام يدرّ كسباً نافعاً ويخدم المجتمع ككل.
نحنُ لا نطالب بالعودة إلى العصور البدائية وهجر التقنيات التي سهّلت علينا الكثير من حاجاتنا اليومية، لكن بالمقابل نحنُ بحاجة إلى إتقان حرفة تخدمنا وقت الضيق وتشجيع كلّ من يعمل بيده لخدمة نفسه والآخرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي