شبح اسمه السعادة!

السعادة مطلب أساسي يبحث عنه كل إنسان طوال حياته, وإن لم يجده تخيله وعاش في خياله ما لم يستطع أن يعشيه في الواقع.. لا يوجد على سطح هذا الكوكب من يرغب في حياة تعيسة إلا من يعاني اضطراباً نفسياً أو عقلياً.. هذه هي القاعدة وغيرها استثناء, ولأن الأمر يسير على هذا النحو فقد بحث الإنسان منذ بدء الخليقة عن مصادر للسعادة واشتغل الفلاسفة بتصنيف الأسباب المؤدية إليها, واختلفت الآراء حول السعادة الحقيقية ورصفت النظريات فوق النظريات دون أن يتفق الجميع على ماهية إكسير السعادة وسبل الوصول إلى الحياة السعيدة.
الفقراء لهم تصور للسعادة يختلف عن تصور الأثرياء لها, والفنانون والفلاسفة يرون أنها تقبع في جانب مختلف عن الجانب الذي يراها فيه الدينيون في أغلب الديانات, والمرضى يرون أن السعادة تكمن في الصحة بينما يتمنى بعض الأصحاء الموت بحثاً عن السعادة .. إنها دوامة لا تنتهي وتظل القضية برمتها نسبية لا يمكن الوصول لحقيقة ثابتة فيها وهذا ما يذكرني بأبيات من الشعر للراحل جبران خليل جبران منها:
وما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
ُرجى فإن صار جسماً مله البشر
كالنهر يركض نحو السهل مُكتدحاً
حتى إذا جاءه يبطئ ويعتكر!
ولأن كثيرا من الناس ممن مروا بهذا العالم توهموا أنهم قبضوا على شبح السعادة واقتنعوا بهذه النتيجة فليس هناك مانع من أن نطل على نظرياتهم الخاصة بحثاً عمّا يمكن أن يقودنا إلى تخيل معالم هذا الشبح من باب العلم بالشيء أومن باب ممارسة لعبة اصطياد الأشباح إن أردتم!
يقول (لاوتسو): "السعادة تولد في البؤس, والبؤس يختبئ في قلب السعادة", أما (سقراط) فقد اعتقد أنه يعمل لسعادته إذا عمل لسعادة الآخرين!
ومن أهم الأسباب المؤدية للسعادة عند (مونتل) أن تكون على وفاق مع ذاتك, وهو ما يقترب من رأي (لافونتين) الذي يرى أن السعادة قناعة, فلا الذهب ولا العظمة يجعلاننا سعداء!
وقد آمن (ديكارت) بنسبية القضية برمتها فقال: "ليس ثمة سعادة أو شقاء في المطلق, وإنما تفكيرنا هو الذي يشعرنا بأحدهما"!
لكن (ريلكة) يخالفه ويعلن اعتقاده بوجود شيء حقيقي اسمه (السعادة) يتمثل في ذلك الشعور المريح الذي يغمر أحدنا عندما يدخل البهجة إلى قلوب الآخرين وهي رؤية طوباوية تقترب كثيراً من رؤية سقراط السابقة.
ولجعفر بن محمد بن علي مقولة شهيرة حول السعادة فحواها:
"ما كل من أراد شيئاً قدر عليه, ولا كل من قدر على شيء وفق له, ولا كل من وُفق أصاب له موضعاً, فإذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهناك تمت السعادة!"
ولأننا نحن العرب أكثر مخلوقات الله إيماناً بالمسميات اللاموجودة فمن المهم أن أشير إلى قول ابن ماجة: "لا سعادة تعدل راحة الضمير", وبما أنني تحدثت عن شبحية السعادة التي لم يصل الجميع إلى تعريف موحد لها, فمن منكم يحدثنا عن الكائن المسمى بـ (الضمير) وماهيته وفق تعريف اتفق الجميع على صحته؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي