أطفالنا ومشاهد القتلى والدماء..!
لا يكاد منزل من منازل السعوديين يخلو من جهاز تلفزيون ينقل عبر قنواته المتعددة وعلى مدار الساعة صور مشاهد القتل والدمار في جميع المناطق المضطربة في هذا العالم, ولا شك في كون هذه المشاهد التي ازدادت كثافة في جميع وسائل الإعلام منذ 2001م لابد أن تترك أثراً نفسياً عميقاً لدى المشاهد, وهذ الأثر ليس أثراً آنياً عابراً بل قد يعيش مع الفرد بقية حياته متسبباً له في الكثير من الأمراض النفسية الصعبة والمعقدة.
أكتب هذا وأنا أعلم جيداً أن الكثير من القراء اليوم يتسمرون أمام شاشات التلفزيونات هم وأطفالهم لمتابعة المجازر بأبشع صورها دون مراعاة لنفسية هؤلاء الأطفال الذين من المحتمل جداً ألا يتجاوزوا هذه المشاهد بسهولة, بل إنه من شبه المؤكد أنهم سيعانون متاعب نفسية جمة ستنعكس على شخصياتهم في المستقبل، ولن تفرز نتائج محمودة بكل تأكيد!
إن أثر الصورة في الطفل كبير جداً, وهناك أعراف ومواثيق شرف إعلامية دولية تمنع بث صور المجازر البشعة على الشاشات أو الصحف مهما كان الداعي لذلك, ونحن نشاهد اليوم السباق المحموم بين وسائل الإعلام العربية على نقل أبشع صور ضحايا الحرب في غزة من باب توثيق الجرائم الإسرائيلية ونقل الصورة الحقيقية لما يحدث على الأرض, لكن هل يعتبر هذا مبرراً لكل هذا الكم من الصور المتداولة في الإعلام العربي تحديداً؟!
إننا أمام عقلية إعلامية تعتقد أن المشاهد لا يمكن أن يتصور بشاعة الحرب إلا إن تم إقحامه فيها بصرياً, وبذلك تصبح الآثار النفسية المترتبة على هذه الحرب لا تخص ضحاياها فقط، وإنما تمتد إلى جميع مشاهدي صورها, وخصوصاً الأطفال والمراهقين الذين ستترتب على مشاهدتهم لهذه الصور أضرار نفسية كبيرة على المدى الطويل، وقد تسبب لهم اضطرابات عقلية وجسدية حسبما تشير العديد من الدراسات النفسية التي تؤكد أن مشاهدة الأطفال مناظر الجثث المشوهة والأشلاء المبعثرة تؤثر في قدراتهم العقلية, وتسبب لهم مشكلات عصبية ونفسية ممتدة مثل الحركات اللاإرادية، وقلة الشهية للطعام، والابتعاد عن الناس، والميل للتشاؤم واليأس، وسرعة ضربات القلب في بعض المواقف.
وفي بحث أجراه صندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" بالتعاون مع وزارة التعليم اللبنانية على فئة كبيرة من الأطفال ممن شاهدوا صوراً متطرفة لضحايا مجزرة قانا تبين أن 30 في المائة من هؤلاء الأطفال لا يزالون يعانون اضطرابات في النوم، و14 في المائة منهم يعانون الاكتئاب، و40 في المائة فكروا في الانتحار!
إنني أدعوكم إلى الحفاظ على نفسيات وحياة ومستقبل أطفالكم بعدم تعريضهم لما تنقله وسائل الإعلام العربية عن المجازر والحروب اليوم, كما أدعو الموجهين للسياسات الإعلامية في هذه الفضائيات العربية وعلى رأسها قناة الجزيرة إلى الإجابة عن الأسئلة التي ساقها الكاتب بسام القاضي تعليقاً على مشاهد الحرب الإسرائيلية/اللبنانية عام 2006م ومنها : " أية حقيقة نسعى وراء فضحها عبر اختيار أكثر الصور هولاً لبثها؟! هل يعتقد المسؤولون عن تلك الفضائيات أننا على درجة من الغباء حداً لا نستطيع تخيل الموت ما لم نر الأطراف الممزقة، أو أيدي أبطال الإسعاف يسحبون جثة رجل من قدميه من تحت الدمار؟! وهل يقدرون حقاً نتائج هذه (الأمانة) الصحافية؟! هل فكروا في عدد الأطفال الذين يتابعون شاشاتهم، وأي أثر ستتركه صورهم في نفسياتهم راهناً ومستقبلاً؟!"