القارئ وفرضياته
عندما تتابع إعلانات الأفلام على التلفزيون ستلاحظ أن هناك عديدا من الأفلام يذهب نصف إعلانها في حصر عدد جوائز الأوسكار والجوائز العالمية الأخرى التي حصل عليها الفيلم، وهم أيضاً يحاولون أن يصوروا مدى روعة الفيلم واحترافيته من خلال عرضه، و للجمهور بعد عرضه موقفين: إما أن يرى الفيلم و يحكم عليه بعدها بنفسه إن كان أحبه أم لا، أو تجده واقعا تحت تأثير الجوائز والإعلان فرآه رائعاً بنظرهم هم.
لذلك تجد دائماً من يستبق في الإعلانات عن أي منتج، إن كان قد حصل على جوائز فإنه يقوم بعرضها قبل عرضه، كأنه يهيئ المشاهد له ويعطيه انطباعا مسبقا قد يؤثر في رأيه الحقيقي.
وهذا ما حصل أيضاً مع مجموعة قصصية للقاصة لبابة أبو صالح، فهناك قصتان قصيرتان في المجموعة ذكرت قبل القصة المسابقة التي شاركت فيها و الجائزة التي حصلت عليها، على الرغم من أني بعد قراءة المجموعة كاملة وجدت أن من نظري وبذائقتي أن لبابة كتبت في المجموعة قصصا أفضل من تلك التي فازت بها في مسابقات، و هذا قد لا يجعل القارئ في موقف الحياد من القصة، فقد يأخذه مقياس الفوز إلى عدم العدل في الحكم، فبعضهم يشك في أن ذائقته أيضاً غير جيدة لأن قصة أو فيلما حصلا على جائزة وفازا بمسابقات إلا أنها لم تعجبه.
إن القارئ أو المشاهد يحتاج دائماً لأن يكون في حكمه الحيادي بمعزل تماماً عن أي أحكام أخرى، أو أي آراء قد تؤثر في رؤيته، لأنه مع الرؤى الأخرى حين يشاهد أو يقرأ كلها ستشاركه، و بهذا لن ينظر بعينيه وعقله هو فقط، بل و كل العيون الأخرى ستكون معه.
لهذا دائماً عندما أود قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم فإني أتجنن القراءة عنه، وإن صادفني أثناء البحث قبل المشاهدة أو القراءة عرض أو قراءة نقدية فإني أحتفظ بها لحين انتهائي وتحديد رأيي وحكمي على العمل ومن ثم أبدأ بالقراءة عنها، لذلك أحياناً حينها أكتشف جوانب لم أنتبه لها من قبل، فأعيد القراءة أو المشاهدة أو أستعيدها في ذاكرتي وأنتبه، بهذه الطريقة أنا في كل مرة أدع لعقلي مجالاً لأن يفتح معابره قبل أن أحددها بجدران وأطر، وبعد أن أقرأ غيري كيف قرأ العمل، أضيف ما قرأت لمحصلتي على ألا أجعل في داخلي تأثيرا، فأفصل بين الـ ( أنا ).. والآخر.
القارئ أو المشاهد يحتاج توسيع مداركه إلى أن يخرج بمعان متجددة عما يرى، وأن يفتح لذهنيته الخيال الخصب في التلقي، ولذلك كان فن (التأويل) مهماً في تحديد ماهيته و بالتأكيد حدوده، لأنه يدخل ضمن توسيع عقلية المتلقي، فيحتاج دائماً إلى أن يُعمل عقله على كل ما يشاهد وما يقرأ حتى يخرج بمخرجات خاصة بخطه هو، محددة بذهنيته.