الرصاص المنهمر أم بقعة الزيت؟

حين أطلق الجيش الإسرائيلي على عمليته "الرصاص المنصهر"، أطلقت حماس من جهتها أسماء ذات دلالات مهمة على عملياتها، من أهمها: ثقب في القلب، السهم الثاقب، أيام الغضب، زلزلة الحصون، الوهم المتبدد، براكين الغضب، غضب الفرسان، وفاء الأحرار، وأخيرا "بقعة الزيت".
أكتب هذه المقالة وغزة تحت النيران والتوغل الصهيوني يواجه بالصمود وكل قناة تدافع عن توجهاتها! وهناك من هذه القنوات من تهتم بقتلى الصهاينة وترى أنه الأهم! وهي قناة محسوبة على عالمنا العربي! إذا هذه المعادلة الصعبة في هذه الحرب التي تشنها الآلة العسكرية الصهيونية.
ولم يعد سرا أن المقاومة الفلسطينية تخوض مع الجيش الإسرائيلي سباقا مع الزمن وحربا ضروسا مع هذا الكيان الذي يضرب بعرض الحائط جميع اتفاقيات الأمم المتحدة وما يقال إنها اتفاقيات أمنية تحمي المدنيين من هذا الاعتداء, و لا داعي لوصف الجرائم التي يشهد عليها العالم بكل قاراته.
والتي سبقها إسقاط آلاف الأطنان من القنابل على أهداف مدنية ودور عبادة!
فكما ذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن الأسبوع الأخير من عام 2008 - الذي شهد بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة - هو الأكثر دموية منذ احتلال الضفة الغربية والقطاع قبل 41 سنة، مؤكدا أن وضع حقوق الإنسان في القطاع يشهد تدهورا غير مسبوق. في ظل مؤامرة صمت دولية مريبة، شنت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي حربها الأكثر دموية والأشد وحشية ضد قطاع غزة منذ احتلاله عام 1967". والوضع ينذر بكارثة إنسانية وحرب لا هوادة فيها على جميع المستويات". إن المجتمع الدولي والعربي قبل ذلك مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بالتحرك الفوري والعاجل لوقف هذا العدوان الأخطر منذ بدء الاحتلال لقطاع غزة. هناك صرخات شعبية من الجماهير في معظم الدول ـ غربية وعربية ـ تناشد المجتمع الدولي، خاصة أطراف اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين, وقف الحرب، وكذلك المنظمات الدولية، "التدخل العاجل من أجل وقف أعمال القتل الجماعي التي تنفذها القوات الإسرائيلية". هذه القوات التي تتوقع النصر ثقة بالآلة العسكرية بالدرجة الأولى وأيضا بالغطاء الأمريكي وحق الفيتو وخلافاتنا العربية! ما حدا بـأيهود أولمرت، وإيهود باراك، وتسيبي ليفني إلى أن يتحدثوا في مؤتمرهم الصحافي بعد انطلاق العدوان على غزة بعبارات ملؤها "العجرفة والغطرسة" بقولهم: "إن إسرائيل ستنتصر في هذه المعركة، وستحظى بإنجازات غير مسبوقة، وستنجح بصورة مؤكدة في تغيير الوضع في قطاع غزة"، الرجل البسيط في الشارع الإسلامي أصبح يدرك أن أرض فلسطين ستبقى للفلسطينيين حني لو بعد قرن ولنا عبرة في تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر الذي استمر 130 عاما ولكنه انحدر!
فلسطين منذ عام 1947 ، والمعركة مستعرة بين أهلها وبين الصهاينة ومن ورائهم أمريكا وشرعيتها الدولية حول مشروعية هذا الاحتلال، ومرورا بقرار التقسيم رقم 181 لعام 1947، وقرار 242 بعد عدوان 1967, الذي ينص على حق إسرائيل في الوجود مقابل الانسحاب من أراض تم احتلالها عام 1967 وانتهاء باتفاقية أوسلو 1993 التي تم فيها الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والتنازل عن فلسطين 1948. ثم الاتفاقية الإسرائيلية ـ الأردنية، وادي عربة، عام 1994. وأخيرا وأمام الضغط الأمريكي بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، تمت مبادرة السلام العربية عام 2002 التي تقر بحق إسرائيل في الوجود، وقبوله التطبيع معها إن هي انسحبت إلى حدود 1967.
هذه ملحمة فلسطين التي تخوض مقاومتها غزة بأطفالها ونسائها ورجالها, ونحن أمام صمود مستمد من إيمان بالله بأنه الناصر والمعين حتى لو توقف الدعم أو القرارات الدولية التي تتباطأ أمام الفيتو الأمريكي! حتى لو وجه بعض الكتاب اللوم إلى حركة حماس وصواريخها كأن هذه الصواريخ هي السبب في هذا الاعتداء الأخير, الذي هو تكملة لاعتداءات سابقة لم تتوقف منذ عام 1947 وانتهاء بالعدوان الآثم الذي دمر جنين في 2003 ولم تكن حماس يومها في السلطة!
ولا ننسى أن الفلسطينيين التزموا بالهدنة بينما انتهكتها إسرائيل أكثر من 190 مرة وقتلت أكثر من 20 شخصا، إذا ما الذي نتوقعه أن يكون ردا على هذا الانتهاك للهدنة وللحصار الذي شمل حتى المساعدات الدولية وشاحنات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهو مخالفة لاتفاقية جنيف، رغم أن أكثر من نصف سكان غزة يعيشون على هذه المساعدات.
ما كان يحدث في غزة على مدى الأيام السابقة للعدوان كان جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب وفقا لقانون المحكمة الجنائية الدولية حصيلتها 470 شهيدا وألفا جريح معظمهم (أطفال) ومدنيون عزل!.
ولن أستعرض مئات المظاهرات التي امتدت في جميع الدول تندد بهذا العدوان وهذه الجرائم التي ترتكب في حق أهل غزة, جمعت مسلمين ومسيحيين بل مختلف الديانات, ما يؤكد أن الحس الإنساني العالمي يرتقي إلى مستوى المسؤولية السياسية والتضامنية مع المعتدى عليهم من الفلسطينيين الشرفاء. ما أحدث ردة فعل لصالح المقاومة الفلسطينية لو كان يتوقعها الكيان الصهيوني لما أقدم على هذا الاعتداء. ولكن سأنقل ما قامت به حركة ناطوري كارتا اليهودية وتبرئتها من هذه "الجرائم الصهيونية" التي يقودها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، ونددت بما سمته "الإبادة الجماعية في غرب فلسطين", واعتبرت "الحركة اليهودية الأرثوذكسية العالمية الحقيقية" في بيان أصدرته يوم الجمعة الماضي باللغة العربية أن جرائم الصهيونية لا صلة لها بالشعب اليهودي الأصلي، الذي يعارض بشكل تام أي نوع من أنواع العنف والقتل. وأكدت الحركة, التي يتبعها المئات من اليهود في البلاد وتتخذ من القدس مقراً لها, أن "الرصاص المصبوب" يهدف إلى إيقاع الفوضى بين صفوف الشعب الفلسطيني وقيادته الأكثر شرعية في شعبها والتي تم انتخابها ديمقراطيا ونزع حقوقه الأساسية الأكثر شرعية. وقال "إن قتل المدنيين بهذه الصورة الفظة على يد الحركة الصهيونية منذ ما يقارب مائة عام والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان لمواطني فلسطين على خلاف تام مع كل الأعراف والقوانين الدولية، وهو أبعد ما يكون عن اليهودية الأصلية التي تنشد السلام والاحترام والأخوة لجميع شعوب العالم". وقالت إنها تصلي لله لينقذ الشعب الفلسطيني وقيادته في أسرع وقت من ضراوة الحركة الصهيونية، وأكدت أنها تصلي "ليحل اليوم الذي تنهار فيه بصورة تامة ونهائية سلطة الشر الصهيونية ولتخضع الديار المقدسة بالكامل للسلطة الطبيعية الفلسطينية".
أخيرا أستعيد عبارة عمرو موسي رئيس الجامعة العربية منذ أيام: (إن أي سياسة يتفق عليها العرب يجب أن تأخذ في الحسبان أن هذا العدوان الإسرائيلي هو حرب على أهل غزة جميعا، وليس على حماس كما يدعي قادة الاحتلال. وأشار إلى أن من أهداف العدوان على غزة تكريس الانطباع الذي كان سائدا بأن "جيش إسرائيل لا يقهر"، وهو انطباع قال موسى إنه "ولى زمنه ولن يعود"، وإن الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا مدنية، ولو واجه جيوشا عربية لا تهزم) .
الآن هذا الجيش يواجه المقاومة الفلسطينية الشريفة وسيهزم بحول الله وقوته فهو وعد إلهي أن ينصر الله من ينصره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي