حتى لا يختل اقتصادنا ونظامنا المالي

إن مصداقية النظام الأمريكي الرأسمالي من أول الضحايا في كارثة النظام المالي العالمي الحالي، وهذا ما دعا كبار المحللين الماليين في العالم إلى النظر بجد وواقعية إلى النظام المالي الصيني، الذي يقوم على ربط السوق والتنمية بتنظيم الدولة، وكذلك جميع المؤسسات المالية تحت إشراف ورقابة الدولة.
في ظل هذا التدهور السريع والسحيق بدأ عقلاء العالم في النظر إلى المقترحات والتجارب الراسخةـ التي حصلت على تأثر أقل من الآخرين، فبعد آثار هذه الكارثة كتبت مجلة "النيوز ويك" News Weekأن النظام الرأسمالي المربوط بالدولة هو الأكثر جاذبية "فرانس فوكوياما"، ثم أكد هذا التوجه محلل "واشنطن بوست" الشهير ديفيد اغناتيوس عندما أكد على أهمية التدخل الجديد، وخلص إلى (أننا يجب أن نكون صينيين الآن).
إذاً ما السـر العجيب في بقاء هذا الاقتصاد العملاق الصيني هو الأقوى وهو الذي أذهل العقول والمفكرين في النجاة من الهبوط في الكارثة؟
إن من أهم الأسباب الرئيسة هو شبكة تنمية المدن النائـية والصغيرة، والحد من الهجرة إلى المدن الكبيرة بنسب عالية، وهو أن الدولة مازالت مشرفة ومراقبة على النظام الاقتصادي والمالي وعملت على منع الهجرة والانتقال من المدن الصغيرة والأرياف إلى المدن الصناعية الكبيرة، بحيث عملت على تطوير وتنمية هذه المدن بشتى الوسائل لجعل الناس يبقون في مدنهم ويطورونها وترتفع دخولهم وعدم انتقالهم إلى المدن الكبيرة لمضايقة المشاريع في هذه المدن الناشئة.
إنه من الواضح أن هذه السياسة من أهم الوسائل والآليات لتطوير اقتصاد قوي يعتمد على قوة العمل في المناطق النائية عوضاً عن المدن الكبيرة كثيرة الزحام.
#2#
لقد اهتم المنظرون والعاملون في الدولة السـعودية إلى هذا الدور المهم، ويدل على ذلك اعتماد الحوافز الضريبية للمشاريع الاستثمارية والصناعية الذي اعتمدت حديثاً لبعض المناطق في المملكة وهي (حائل ـ الحدود الشمالية ـ جازان ـ نجران ـ الباحة ـ الجوف).
إن هذا الإجراء يعد من أهم الوسائل لتطوير المناطق البعيدة عن المركز، وكذلك الحد من الهجرة إلى مناطق الازدحام السكاني والمروري، الذي يخنق كثير من مدننا الكبيرة. إن هذا القرار الرائع الذي أعتبره لبنة في سبيل تطوير وتنمية هذه المناطق سيساعد على منع الهجرة إلى المدن الكبيرة، ولكن هذا يصب في صالح القطاع الخاص، الذي يبحث عن الربح وهو الوضع الصحيح لأي منشأة صناعية خاصة.
لقد قمت بالبحث والتقصي عن النجاحات في تطوير المناطق النائية في كثير من دول العالم، فوجدت أنها استخدمت حوافز وإغراءات ضريبية متنوعة الأشكال والمراحل وكلها تقوم على تحقيق الغرض الرئيس، وهو تطوير وتنمية المناطق النائية.
وعند النظر إلى التجربة الصينية بالذات نجد أن الدولة اتخذت أساليب أكثر جدية وأكثر رقابة في تطوير المناطق النائية. وبعد التحليل العميق لطبيعة التركيبة الجغرافية والسكانية للمملكة وجمع كثير من البيانات والمميزات، مع الأخذ في الحسبان طبيعة التركيبة السكانية في المملكة، فإني وصلت إلى هذا المشروع المقترح لتطوير وتنمية المناطق النائية والحد من الهجرة إلى المدن الكبيرة.
وهو أن هذا المقترح يتبنى أسلوبين في تنمية هذه المناطق وهي كالتالي:-
1- دعم وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة في كل منطقة على حدة.
2- صرف زيادة على راتب كل موظف يعمل في هذه المناطق، وتعتمد الزيادة على موقع القرية وعدد سكانها.
لتحقيق هذين الأسلوبين فإنه سيتم تأسيس (صندوق أو بنك) لكل منطقة ويكون هو المسؤول عن دعم المشاريع المتوسطة والصغيرة، بحيث تكون له الإدارة البحثية والتسويقية الخاصة بهذه المشاريع، التي تدرس إمكانية إنشاء هذه المشاريع التي ستكون هي الأساس في تنمية وتطوير هذه المناطق. ويـستمد هذا الصندوق دعمه من الدخل العام لكل منطقة، بحيث تغطي نسبة 60 إلى 80 في المائة من دخول البلديات والمرور وغيرها من المؤسسات التي يكون لها دخل من المنطقة نفسـها.
أيضا يكون هذا الصندوق أو البنك هو المسؤول عن دفع الزيادة في رواتب الموظفين الذين تكون رواتبهم أقل من عشرة آلاف ريال، وتحدد نسبة الزيادة حسب موقع القرية وبعدها عن المركز (الرسم البياني المرفق يوضح الزيادة المقترحة لكل مدينة وقرية)، على أن تصرف الزيادة بعد سنة من مباشرة العمل.
إن تطوير وتنمية المناطق النائية يعد من أهم أسباب النمو الاقتصادي والبعد عن الاعتماد على المدن الكبيرة، التي تعاني من مشكلات التضخم والانفجار السكاني الهائل، الذي يعوق نجاح كثير من المشاريع.
إن اسـتقرار سكان المدن النائية والقرى في مواقعهم، وتفعيل سبل التنمية والتطوير سيولد مجتمعات فاعلة ومساعدة على بناء وإضافة القيمة الفعلية للتطـوير، كذلك هذا النمو والاستقرار يكون هو الواقي والحامي، بعد الله، في تجنب أو حتى تخفيف التأثير في التقلبات الاقتصادية أو المالية العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي