سوق الغذاء في الخليج.. ما التحديات؟

سبق وأن حذر تقرير للمعهد الدولي لأبحاث سياسات الغذاء من أن العالم يستهلك غذاء أكثر مما ينتج، وأن أسعار المواد الغذائية ربما ترتفع بفعل عوامل منها:
1- حالات الجفاف والفيضانات الناجِمة عن تغيُّر المناخ، فمثلا الجفاف في أستراليا وإفريقيا وفيضانات في غرب إفريقيا وموجة صقيع في أوروبا. وحدوث قحط في شمالي الصين، الذي ينتج معظم محصول البلاد من القمح وبالتالي أدت تغيرات المناخ إلى تدمير المحاصيل في مناطق عديدة من العالم.
2- زيادة الطلب العالمي على الغذاء بسبب النمو الطبيعي في عدد سكان العالم، ويتوقع استمرار النمو السكاني في العالم إلى تسعة مليارات نسمة بحلول نهاية هذا القرن، إضافة إلى ذلك أن النمو السكاني فرض ضغوطا إضافية على الأراضي الزراعية التي تواجه أصلا تراجعا نتيجة تقلبات الطقس وما حدث بواسطة زيادة الانبعاث الحراري إذ ضربت خلال السنتين الماضيتين موجة جفاف حادة أستراليا التي تعتبر واحدة من أكبر الدول المنتجة للحبوب.
3- انتشار المضاربات في أسواق السلع العالمية على أسعار الحبوب عبر عقود ورقية تراهن على صعود الأسعار مستقبلا.
4- تحويل مناطق شاسعة كان من الممكن استغلالها لإنتاج الغذاء تم تحويلها لإنتاج الإيثانول والوقود الحيوي المشتق من الذرة الشامي والسكر والصويا وزيت النخيل في وقت تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تقليل اعتمادهما على النفط.
5- الأمر الآخر، يتمثل في التزام الدول المتقدمة بتنفيذ اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وإنهاء الدعم الذي تقدمه تلك الدول للإنتاج الزراعي ولتصدير المواد الغذائية، الأمر الذي أدى إلى رفع أسعار المواد الغذائية عالمياً ربما إلى نحو 15 في المائة، وهو أمر متوقع حدوثه من سنوات ونبهت إليه منظمات دولية للمخاطر المتوقع حدوثها على الدول النامية والأقل نمواً التي تسمى "دول مستورد صافي للغذاء".
كل هذه الأسباب أدت إلى زيادة الأسعار بشكل كبير، في منتجات القمح والذرة وفول الصويا. كما ارتفعت أسعار السكر والزيوت، وبالتالي أعلاف الحيوانات والدواجن، وبالتبعية اللحوم بكل أنواعها والبيض والألبان.
وفقا لبيانات الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي أن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون تراوح بين 483.3 و721.7 مليار دولار في عام 2003 و2006 على التوالي محققاً زيادة سنوية, بلغت 10.6 في المائة في المتوسط ويقدر المتوسط السنوي للناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون بنحو 606.8 مليار دولار خلال السنوات بين 2004 و2006.
حيث إن إجمالي مساحة دول مجلس التعاون الخليجي 257.3 مليون هكتار, وإجمالي المساحة المزروعة 4.7 مليون هكتار والمساحة المروية 1.4 مليون هكتار، ونسبة المساحة المزروعة من إجمالي المساحة 1.8 في المائة ونسبة المساحة المروية من المساحة المزروعة 30.8 في المائة وإجمالي عدد السكان 35.3 مليون نسمة، ومعدل نمو السكان 3.9 في المائة.
إن الناتج المحلي الزراعي لدول مجلس التعاون الخليجي تراوح بين 14.0 و14.1 مليار دولار خلال الفترة نفسها مسجلاً ارتفاعاً طفيفاً بلغ أقل من 0.4 في المائة في المتوسط، ويقدر المتوسط السنوي للناتج المحلي الزراعي في دول مجلس التعاون بنحو 14 مليار دولار خلال الفترة ما بين 2003 و2006.
وقد حققت المملكة العربية السعودية من الناتج المحلي الزراعي لدول المجلس وحدها نحو 73 في المائة من القيمة الإجمالية السنوية للناتج المحلي الزراعي لتلك الدول تليها دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة تقدر بنحو 21.6 في المائة في حين لا تمثل الدول الأربع المتبقية في دول مجلس التعاون إلا نسبة تقدر بأقل من 6 في المائة، ومن خلال مقارنة أرقام الناتج المحلي الزراعي والناتج المحلي الإجمالي يتبين تدني أهمية مساحة القطاع الزراعي في تحقيق الناتج المحلي الإجمالي على مستوى المنطقة وعلى مستوى الدول المختلفة.

وحول الميزان التجاري الكلي والزراعي والغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي بلغت قيمة الصادرات التجارية لدول مجلس التعاون نحو 428.6 مليار دولار خلال عام 2006 مقابل 158.0 مليار دولار خلال عام 2003 أي بنسبة زيادة بلغت نحو 68 في المائة سنوياً. ويقدر متوسط قيمة الصادرات التجارية العربية بنحو 326.8 مليار دولار في السنة خلال الفترة ما بين 2003 و2006 وراوحت تكلفة الواردات العربية بين 90.6 مليار دولار في عام 2003 و173.1 مليار دولار في عام 2006 مسجلة بذلك زيادة بلغت نحو 38.1 في المائة.
ويقدر متوسط تكلفة الواردات التجارية العربية نحو 141.6 دولار في السنة وبمقابلة متوسط قيمة الصادرات التجارية لدول مجلس التعاون للفترة ما بين 2003 و2006 بمتوسط تكلفة الواردات خلال الفترة نفسها، يتضح أن الميزان التجاري لدول مجلس التعاون قد حقق فائضاً بلغ 185.2 مليار دولار في السنة وتراوحت قيمة الصادرات الزراعية لدول مجلس التعاون بين 2.3 مليار دولار خلال عام 2003 و3.9 مليار دولار خلال عام2006 بزيادة بلغت نحو 30 في المائة سنوياً. ويقدر متوسط قيمة الصادرات الزراعية في دول مجلس التعاون خلال الفترة 2003 و2006 نحو 3.0 مليار دولار. وتشكل قيمة الصادرات الزراعية نحو 0.9 في المائة من قيمة الصادرات التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي.
وتراوحت تكلفة الواردات الزراعية لدول مجلس التعاون خلال الفترة بين 12.2 مليار دولار خلال عام 2003 و16.6 مليار دولار خلال عام 2006 مسجلة بذلك زيادة تقدر بنحو 8 في المائة سنوياً. ويقدر متوسط تكلفة الواردات الزراعية بنحو 14.9 مليار دولار في السنة.
وبمقابلة متوسط قيمة الصادرات الزراعية لدول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة ما بين 2003 و2006 البالغ 3 مليارات دولار بمتوسط تكلفة الواردات الزراعية خلال الفترة نفسها والبالغ 14.9 مليار دولار، يتبين أن اقتصادات دول مجلس التعاون قد عانت عجزا واضحا في الميزان التجاري الزراعي بلغ في المتوسط 11.9 مليار دولار. وعانت اقتصادات دول مجلس التعاون من عجز الميزان التجاري بدرجات متفاوتة.
إن توقعات الفجوة من السلع الرئيسة خلال السنوات ما بين 2009 و2015, تشير إلى زيادة الاستهلاك السنوي من جملة الحبوب في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 23.6 مليون طن في السنة خلال الفترة ما بين 2009 و2015 بزيادة تقدر بنحو 7.5 في المائة مقارنة بالاستهلاك السنوي خلال الفترة ما بين 2003 و2006. ورغم زيادة الإنتاج بنسبة 3.0 في المائة إلى نحو 4.5 مليون طن في السنة, فإن الواردات المتاحة للاستهلاك سترتفع بنسبة 5.35 في المائة لتصل إلى نحو 19.1 مليون طن. وبذلك يتوقع أن ترتفع الفجوة في جملة الحبوب إلى 19.1 في المائة مقارنة بنسبة 16.1 في المائة خلال الفترة ما بين 2003 و2006.
وباعتبار توقعات الاستهلاك والواردات المتاحة للاستهلاك التي تعبر عن حجم الفجوة في كل منها تتضح نسبة الفجوة في كل دولة والثقل النسبي لكل منها.
إن نسبة الفجوة يتوقع أن تكون أكثر في كل من البحرين وقطر والكويت تليها باقي دول المجلس.
إن أكثر من ثلاثة أرباع الفجوة في مجموعة الحبوب تتركز في السعودية وبدرجة أقل في الإمارات.
إن قضية الأمن الغذائي تعتبر واحدة من أهم القضايا المعاصرة, نظرا لارتباطها بحياة الإنسان وبسيادة الدول, كما تبرز أهمية الأمن الغذائي وضرورة وضع استراتيجية للغذاء بعد الارتفاع الكبير لأسعار السلع الغذائية في الأسواق العالمية خلال السنوات القليلة الماضية واحتمال تواصله في المستقبل.
على الرغم من الأشواط الواسعة التي قطعتها دول مجلس التعاون في التصنيع الغذائي وتطوير الموارد الزراعية والحيوانية، وبذل الجهود الحقيقية للتغلب على الظروف المناخية والطبيعية الصعبة التي تحد من اتساع رقعة الأراضي الزراعية, وتبني بعض دول المجلس لخطط وطنية للأمن المائي فإن تكلفة الفجوة الغذائية ما زالت عالية، ووفقا لبيانات الهيئة العربية للاستثمار الزراعي حيث بلغت تكلفة الفجوة الغذائية عام 2006 قرابة 14.8 مليار دولار منها 9.5 مليار دولار في السعودية و209 مليارات دولار في الإمارات ونحو 1.1 مليار دولار في الكويت و0.6 مليار دولار في عمان ونحو 0.35 مليار دولار في كل من البحرين وقطر.
ويتوقع أن ترتفع تكلفة الفجوة خلال الفترة ما بين 2009 و2015 لتصل في المتوسط إلى 24 مليار دولار. ونسبة إلى محدودية موارد التربة والمياه, إضافة إلى الظروف المناخية غير الملائمة في دول مجلس التعاون الخليجي, فإنه من الصعب على تلك الدول أن تعتمد على نفسها لتوفر احتياجات سكانها من السلع الغذائية.
لذا بات ضروريا أن تعمل دول مجلس التعاون على الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية ووضع خطة لتوجيه استثماراتها نحو الدول التي تمتلك ميزات نسبية (موارد مياه وتربة ويد عاملة مدربة) والمناخ الاستثماري الملائم.
كما أود أن أناشد أن توجيه رؤوس الأموال العربية للاستثمار في السودان سيجعل منه سلة غذاء للدول العربية ثم للتصدير بعد ذلك، حيث يزخر السودان بموارد طبيعية هائلة جلها لم يتم استغلالها بعد ويمكن اعتبارها رصيدا وكنز موارد تخدم مشروعات مشتركة استثمارية كبرى, ويمكن أن نذكر بعض تلك الموارد التي نادرا ما تتوافر مجتمعة في دولة واحدة: وتشمل الموارد الطبيعية الأراضي الزراعية، موارد المياه العذبة, إضافة إلى الغابات والمراعي والثروة الحيوانية والثروات المعدنية, حيث تتوافر في السودان أكثر من 200 مليون فدان ذات تربة خصبة صالحة للزراعة وقابلة للاستثمار الزراعي والمستغل منها حاليا لا يتجاوز 20 في المائة.
نعم هناك هجمة إعلامية هائلة ضد السودان وهناك ضغوط خارجية للتأثير في المناخ الاستثماري في السودان لكن تأثيراتها في أرض الواقع محدودة، خاصة أن مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي أشادت كثيرا في الآونة الأخيرة بأداء الاقتصاد السوداني. إضافة إلى ذلك أن الاستثمارات الأجنبية في السودان بدأت تأخذ منحى عمليا تجد الرعاية والاهتمام على مستوى رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء لإزالة جميع المعوقات التي يمكن أن تعترضها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي