تحديات الأسهم السعودية 2009
تفيد تقارير صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي سيعاني الاضطرابات المالية وسيواجه صعودا بطيئا ومؤلما عام 2009. وجاء في تقرير الصندوق أن "الاقتصاد العالمي يدخل في تباطؤ كبير في مواجهة واحدة من أخطر الصدمات للأسواق المالية منذ ثلاثينيات القرن الماضي". غير أن الصندوق ذكر أن تأثير أزمة الائتمان العالمية الراهنة في اقتصادات الشرق الأوسط محدود نسبيا، حيث يستمر النمو الاقتصادي بفضل القطاعات غير النفطية. وعلى الرغم من التأثير المحدود للأزمة العالمية في الاقتصاد السعودي ، إلا أن ما حدث في سوق الأسهم السعودية خلال الأشهر الماضية يفرض علينا تشخيص التحديات المستقبلية التي ستواجهها سوق الأسهم السعودية في عام 2009. ولعل أقوى هذه التحديات يتمثل في عدم استقرار السوق وفقدان الثـقة بالسوق، وتوفير آليات لحماية صغار المستثمرين ، وتطوير آلية المعلومات والإفصاح.
إن حالة عدم الاستقرار التي تعانيها السوق تعتبر أقوى التحديات لعام 2009، حيث إنه من المتوقع أن تستمر السوق في مرحلة من التذبذب غير المنطقي من خلال ارتفاعات محدودة يتبعها مباشرة انخفاض محدود أيضاً, نظراً لما يمكن أن يسمى "الذعر أو القلق". وعليه, فإن التحدي الأكبر في هذه السنة هو إعادة الثقة للسوق. والواقع أن إعادة الثقة تحتاج إلى قرارات هيكلية على المستويات السياسي والاقتصادي على غرار ما جرى في الولايات المتحدة ومن خلال برامج تمويلية للقطاعات المتأثرة بالأزمة وبشفافية مطلقة. إن القائمين على النظام الاقتصادي في البلد ينبغي أن يتعاملوا بصراحة مع الأزمة وأن يعلموا أن الانكماش المتوقع في الاقتصاد العالمي لابد وأن يؤثر في أسواقنا. فعلى الرغم من متانة الاقتصاد السعودي والتطمينات الرسمية المؤكدة لذلك إلا أن الأزمة العالمية ألقت بظلالها وتأثيراتها في أسواقنا. فإذا كانت هذه الحال, والاقتصاد قوي، فما بالك عندما يبدأ الكساد العالمي بالتمدد حتى يصل تأثيره إلى نشاط الشركات المحلية. إن قوة الاقتصاد المحلي لن تكون في معزل عما يحدث في العالم ، ولعل انخفاض سعر النفط إلى مستويات قياسية لدليل على أن التأثير قادم، لذا فإنه من الحكمة أن نتوقع الأضرار التي ستحدث في سوق الأسهم للعمل على تفاديها.
وفي هذا السياق ، فإن الحكم بفقدان الثقة في السوق عادة ما يكون ناتجاً من المخاطر التي تتعرض لها السوق في الأصل. وفي هذا المجال, فإنه يجب التفرقة بين نوعين من المخاطر وهما؛ المخاطر العامة (المنتظمة)، والمخاطر الخاصة (غير المنتظمة). ويقصد بالمخاطر العامة تلك المخاطر التي تؤثر في السوق ككل دون استثناء ولا تخص شركة معينة. وتندرج تحت هذا النوع من المخاطر العوامل الاقتصادية العامة مثل الأزمة المالية التي عصفت بالعالم أخيرا. أما المخاطر الخاصة فهي ذلك النوع من المخاطر التي تتعرض له شركة معينة دون غيرها. لذا فإن الثقة في اعتقادي ما زالت موجودة في السوق، ومن ثم, فإن المستثمر يجب أن يركز على المخاطر الخاصة التي تتعلق بالشركات التي يستثمر فيها. فالمخاطر الخاصة هي التي يقع عليه عبء مسؤوليتها، أما المخاطر العامة فهي خارج سيطرة المستثمر، وتحت سيطرة الجهات التشريعية إلى حد ما، ما يعني أن تقليل أضرارها يقع تحت مسؤولية الجهات الحكومية ذات العلاقة (هيئة السوق المالية، مؤسسة النقد، وزارة المالية).
أما التحدي الثاني لسوق الأسهم في عام 2009 فهو التطبيق الفاعل لقوانين سوق المال سواء على المتعاملين أو على الشركات وذلك لحماية المستثمرين من الممارسات غير القانونية. فعلى الرغم من وجود بنية قانونية جيدة في منظومة السوق المالية إلا أن تطبيق الأنظمة يشوبه شوائب. إن النظام عندما سُن يهدف إلى حماية السوق والمجتمع من الممارسات السيئة، لذا فإن من الضروري العمل على بناء وترسيخ ثقافة القانون في السوق حتى تسترد السوق ثقة المستثمرين. كما أنه من الضروري الإدراك أننا أمام خيار صعب فإما سوق قوية تحمي المتعاملين ولا يفرق بين أحد في تطبيق القانون، وإما سوق لـ "النخبة". ولعله ليس من المبالغة القول إن ما حدث في سوق الأسهم خلال الأعوام الماضية لا يعدو كونه تغريرا للعامة تحت مظلة الاستثمار, سواء من خلال التعاملات اليومية أو من خلال الاكتتابات الأولية.
وامتداداً للتحدي السابق، فإن هناك تحديا قديما ما زالت السوق تعانيه ألا وهـو الإفصاح والشفافية على مستوى الشركات المدرجة. لذا فإنه من الضروري العمل على إعادة الثقة عبر التأكيد والالتزام بمبادئ الإدارة الرشيدة وحوكمة الشركات، ومن ذلك ضرورة تماثل المعلومات بين جميع المستثمرين, سواء من ناحية توقيت المعلومة أو من ناحية محتوى المعلومات والتشديد على عدم الاستفادة من المعلومات الداخلية. وبالتالي فإنه يجب التركيز على محتوى المعلومات وتوقيت نشرها في أي محاولة تنظيمية لزيادة الإفصاح والشفافية.
ومن التحديات المرتبطة بالإفصاح والتي لها علاقة بتأثيرات الأزمة المالية في الأداء التشغيلي ما يسمى في المحاسبة "تحسين أو تجميل الدخل"، حيث إن انخفاض الطلب على السلع والخدمات نتيجة الكساد المتوقع، سيجعل بعض الشركات أمام خيار صعب نتيجة انخفاض المبيعات مقارنة بالسنوات السابقة. لذا فإن إدارة تلك الشركات المساهمة وتحت الضغط الكبير من المساهمين ستحاول العمل على تحسين الأداء التشغيلي للشركات وزيادة الأرباح. وعندما تتعرض الإدارة العليا لمثل هذه الضغوط, فإنها قد تضطر إلى تغيير هيكلية العمليات المحاسبية لتضليل المساهمين فيما يتعلق بالأداء الاقتصادي الحقيقي للشركة من خلال التأثير في أرقام الأرباح المنشورة.