سوق الدين سيشهد نموا مدعوما بالفوائض الحكومية
عام 2008 عام المتناقضات حيث عاصر السوق السعودي عددا من التغيرات الإيجابية والسلبية بدءا من ارتفاع أسعار النفط وانتهاء بأزمة الرهن العقاري الأمريكية التي سحبت العالم على حافة الكارثة. المشكلة أن الأزمة طالت من لا علاقة له بها (حيث كان التأثير إما مباشرا أو غير مباشر) وبالتالي أثرت في كل الاقتصاديات وألغت كل إمكانيات النمو والتوسع في الاقتصاد العالمي وأكدت تأثير الاقتصاد الأمريكي في العالم. حيث حصدت الأزمة جزءا كبيرا من ثروات دول العالم في أكبر عملية خداع واختفت ثروات وأصول وظهر التواطؤ فيها وخاصة في ظل ما يدعى بالحوكمة ومؤسسات التقييم التي كانت ظاهريا تفرض نفسها كفئة حيادية تعطي مصداقية لدورها في الاقتصاد. وعادة ما يقال إن كل أزمة اقتصادية عالمية تعقبها حرب لتعديل الوضع وهنا كانت الحرب قبل الأزمة في العراق وأفغانستان. المهم ونحن في السعودية ما تأثير الوضع الحالي في اقتصادنا البترولي وعلى شركاتنا وخاصة البتروكيماوية وبالتالي ما تأثيره في سوقنا المالي في عام 2009. قضايا مهمة وحيوية ومؤثرة في ظل سوق لم يتمتع فيه المستثمر المحلي بالسكينة حيث مع تحسن العالم نعيش مشكلاتنا الداخلية ومع تدهور العالم نكون نحن السابقين. وكأن القراءات السلبية هي المحرك لنا ولا نهتم ولا نبحث عن أي إيجابيات نحاول أن نميز بها وضعنا ونضع الأمور في نصابها. ختاما هل سيؤدي الضغط الحالي إلى استمرار الوضع المتردي في سوقنا أو أن هناك بصيص أمل نستطيع أن ننطلق من خلاله؟ الضغط الحالي أربك السوق المالي السعودي وأجهض المحاولات لتنميته وتوسعته وترك القطاع الاستثماري المحلي في حيرة من أمره. نحاول من خلال طرحنا إلقاء بعض الضوء على الاقتصاد السعودي ونتتبع من خلاله أوضاع سوقنا المالي واتجاهاته.
أولا، الاقتصاد الكلي السعودي:
هناك بعدان رئيسان أولهما، حجم القدرات المالية التي تكونت في الماضي وتأخر الإنفاق الحكومي على المشاريع بسبب ارتفاع الأسعار للمواد الخام وعزوف قطاع المقاولات المحلي الضعيف عن الاستفادة منه. وثانيهما تدهور أسعار النفط إلى مستويات متدنية لم نتعود عليها حاليا مما يضعف قدرة الإنفاق الحكومي على الاستمرار في وتيرة الإنفاق. لو سلمنا جدلا بأن الإنفاق الحكومي سينتعش بسبب مستويات الأسعار الحالية وربما حتى مع انخفاض سعر برميل النفط لا تزال الرؤيا إيجابية. ولعلنا أفضل من غيرنا حيث نشهد توقعات بتوسع في الإنفاق الحكومي الأمريكي على الرغم من وضعهم المالي الحالي ولكن الخروج من الكساد يستلزم سيولة وإنفاقا. وبالتالي نتوقع على المستوى المحلي زيادة طرح للمشاريع الحكومية وزيادة الإنفاق الحكومي التي سيستفيد منها عدد من الشركات العامة السعودية والقطاع البنكي وبالتالي الحد من الركود المتوقع محليا. وبالتالي نتوقع توفر السيولة محليا نتيجة للإنفاق الحكومي خلال العام المقبل 2009.
ثانيا، السوق المحلي المالي:
الضغوط التي عايشناها وخاصة لشركتنا العملاقة (سابك، أرامكو،...) بسبب عدم توافر السيولة عالميا وفي ظل الضغوط على سعر برميل النفط يتوقع أن يستمر الضغط ما لم يتحرك السوق المحلي ونشهد نوعا من التطور في السوق المالي وفي هذه الأوقات الحرجة. التوقعات خلال العام المقبل ستشهد نموا في تطوير سوق الدين السعودي من خلال إصدار صكوك إسلامية. فشركات الوساطة المالية والبنك الإسلامي وشركات التأمين بما تتوافر لهم من سيولة والدولة كمالك للفوائض يمكن أن تغذي وتنمي السوق في السيولة اللازمة ليبدأ السوق عمله. الشركات بمختلف أنواعها وأحجامها سواء كمقترض أو كمستثمر للسيولة في حاجة إلى وجود هذا السوق وتنميته إذا أردنا للاقتصاد المحلي أن ينمو ولقدراتنا التطور حتى نستطيع أن نستمر كقوة مالية في المنطقة. كل أبعاد تكوين وتطوير وإنشاء وتنمية السوق في يدنا ونحن في حاجة إلى تطوير أدوات مالية جديدة تسهم في خفض المخاطر وتؤمن عوائد مقبولة للمستثمرين. عاصرنا حاليا عن طريق حقوق الملكية تكوين شركات ومدن اقتصادية عدة ونحن الآن في حاجة إلى سيولة متوافرة محليا لدعم استمرارية النمو والتوسع. ويقع جزء كبير من عبء تطوير السوق المالي على الدولة إذا ما رغبنا في نجاحه واستمرار التنمية المحلية وإنفاق 400 مليار دولار.
#2#
ثالثا، سوق الأسهم السعودي:
ونتناوله بصفة خاصة لأنه يعد جزءا من السوق المالي ولكن نظرتنا هنا لوضع قائم غير متناسق. فحسب الجدول رقم (1) نجد أن الربح والإيراد في الشركات السعودية أخذ في النمو وبصورة مستمرة للفترات المتماثلة (تسعة أشهر) من عام 2004 وحتى عام 2008 وبمعدلات إيجابية وفي الوقت نفسه نجد أن المؤشر تفاعل بصورة مختلفة حيث ارتفع في أول سنة ثم كان النمو سلبيا وبصورة مستمرة وكأن أداء الشركات وتحقيقها للربح لا يعني السوق أو المستثمر. وحسب الشكل البياني وللفترات الربعية نجد أن الربح منحنى يتجه للأعلى وفي المقابل المؤشر بلغ أعلى نقطة ثم تابع في الانهيار وكأن المتغيرين لا يوجد رابط بينهما وهو مخالف لقواعد ونظريات الاستثمار. ولعل التفسير الوحيد هو اختلاف أساس القيمة، بمعنى أن السوق يتطلب معدلات ربحية أعلى مقارنة بالماضي.
لعل ما يزيد الوضع تعقيدا أن الشركات وزعت أرباحا خلال السنوات التي حققت فيها أرباحا وبمعدلات مرتفعة ومتزايدة كما هو واضح من الجدول رقم (2) ولم يستجب السوق بصورة ملائمة. من المتعارف عليه أن نظرة المستثمر للربح تصبح أكيده عند توزيع الربح وبالتالي الأرباح حقيقية وليست محاسبية كما يطلق عليها البعض. وبالتالي إذا كانت نظرتنا إيجابية للنتائج فمن المعروف أن عام 2008 بلغت نتائجه مستويات أعلى من السنوات السابقة لثلاثة أشهر وبالتالي من المتوقع لو انخفضت الأرباح حتى مستوى 2004 الربع الرابع (50 في المائة من 2007) فإن النتيجة الكلية ستحقق نموا في الربح وأعلى من عام 2007 وكذلك الإيرادات لن تختلف كثيرا نظرا لأن مستوياتهم حتى الربع الثالث مرتفعة.
#3#
مايهمنا هو الوضع في عام 2009 هل سنشهد نموا في الربح أو تراجعا نتيجة لتراجع أكبر شركة في السوق "سابك" التي توازي الثلث؟ والإجابة تعتمد على نتيجة الربع الرابع وقوتها خاصة أن التغيرات السلبية كانت مع بداية الربع الرابع وفي شهر تشرين الأول (أكتوبر).
وبالتالي تعتبر مشكلتنا في التقييم وتحديد اتجاه السوق تعتمد على بعدين الأول أساس القيمة من وجهة نظر المستثمر (البعض يطلب مكرر ربح 10 مرات والبعض في فترات أخرى يطلب 7 مرات مكرر ربح) وهنا نتوقع أن السوق يتطلب مكررات ربحية متدنية في الظروف الاقتصادية الصعبة نظرا لارتفاع المخاطر. والبعد الثاني أداء الشركات وربحيتها وبالتالي قدرتها على تحقيق ربحية مرتفعة في ظل الظروف السائدة وخاصة للشركات العالمية (تسوق منتجاتها خارج السعودية مثل شركات البتروكيماويات).
التوقعات في ظل التحسن المتوقع والسريع للاقتصاد العالمي والمحلي بسحر السيولة يتوقع أن تحقق الشركات أداء جيدا بسبب قدرتها على تنمية إنتاجها وقدرتها على تحقيق الربحية. وعليه لن يستمر المؤشر طويلا في المستويات المتدنية ولابد أن يرتفع ليعكس الوضع العام خاصة أننا اليوم في قمة التشاؤم حول الاقتصاد المحلي والعالمي. فوجود رئيس جديد وقدرة أمريكا على طباعة النقود لا بد أن يحدث تحولا ولكن مع نهاية عام 2009.