النموذج السعودي في الإدارة, ما هو؟

مفاهيم ونظريات الإدارة عديدة جداً, فمنها القديم الكلاسيكي ومنها الحديث المعاصر ومنها ما طور ليناسب تغييرات وتحديات في فترات اقتصادية مختلفة ومنها ما طور لقطاع معين دون غيرة ومنها ما طور في دولة معينة ومنها ما استمد وطور من مجالات غير اقتصادية أو تجارية أو ليواكب تطورات تكنولوجية أو اجتماعية أو عالمية. ثراء العلوم الإدارية بهذا الكم الكبير من الفلسفات والمفاهيم والمناهج والنظريات جاء نتيجة جهود العديد من علماء الإدارة عبر العقود ومن دول مختلفة. إلا أن هذا الكم الكبير من البحوث والدراسات لا يضمن نجاح المنظمات والشركات أو قد لا يسهم في تحسين أدائها التنافسي ما لم يتم ربطها بالبيئة المحيطة بالمنظمة أو الشركة التي تؤثر في التركيبة والفكر الإداري لدى هذه المنظمات. من هنا أولى الكثير من الأكاديميين ومديري الشركات اهتماما كبيرا بمدى تأثير الثقافة المحلية في نوعية وطبيعة الفكر الإداري السائد في بلد ما. فالكثير من الشركات تستمد ميزتها التنافسية من الفهم والمعرفة الدقيقة بالنموذج الإداري المناسب والمتلائم مع الثقافة المحلية الذي عادةً ما يكون مختلفا إلى درجة كبيرة مقارنةً مع بعض النماذج الإدارية في دول ذات ثقافات مختلفة.
هناك العديد من النماذج الإدارية التي أثبتت تميزها ونجاحها معطيةً فوائد كبيرة لاقتصاد تلك الدول. فهناك النموذج الياباني الذي طور في الستينيات والسبعينيات ولا تزال الشركات والإدارات اليابانية تستفيد منه بشكل كبير, وهناك النموذج الأنجلوساكسون الذي يضم بريطانيا وأمريكا وأستراليا وغيرها من الدول الغربية الذي أثبت تطوره ومرونته ومقدرته على تطوير الكثير من المفاهيم الإدارية التي أثبتت عالميتها بسبب سيطرة ثقافات واقتصاديات هذه الدول, وهناك النموذج الصيني الذي بدأ تأثيره بشكل ملموس في العقد الماضي, وغيرها من النماذج التي تفاوتت في تأثيرها ونجاحها أو حتى ملاحظة وجودها. هناك العديد من الدول التي تتشابه ثقافياً واقتصادياً إلا أنها تبذل الكثير من الجهد لفهم ذاتها الإدارية من خلال مؤسساتها البحثية وجمعياتها العلمية التي تغذي فكرها الإداري في أعالي أهرام شركاتها ومنظماتها الإدارية دون الحاجة إلى الاستنساخ المباشر من نماذج الدول الأخرى معطيةً ميز تنافسية جيدة لشركاتها.
النموذج السعودي في الإدارة غير معروف ماهيته ولا جوهره ولا أبعاده فالبعض يربطه بالأسلوب العائلي في الإدارة إلا أن هذا ربط محدود وضيق ولكن لا يجب إهماله, وهناك مجادلة بأنه في وقت العالمية فإن المفاهيم الإدارية أصبحت متداخلة بشكل لا يُمكن من التعرف على نموذج سعودي وأيضاً لا حاجة لنموذج محلي إلا أن الواقع يظهر من أن المفاهيم والنظريات العالمية لم تفد كثيراً في تلبية الحاجة الإدارية والتدريبية الخاصة للشركات السعودية خاصةً أن القليل من مجمل الشركات السعودية لها حضور عالمي.
يكمن السر في تطوير النموذج الإداري لدولة أو لثقافة ما في مقدرة أكاديمييها وباحثيها ومديري شركاتها ومنظماتها في العمل الجماعي في اكتشاف وتعريف وفهم الذات المحلية في الإدارة وفهم طرق تطويرها. النموذج الإداري في دولة ما يتكون من مجموعه كبيرة من المفاهيم والمناهج التي ترتبط ربطا مباشرا بالمنطق والقيم الثقافية فيها. الكثير من الأكاديميين اللذين يُدرسون الإدارة في الجامعات أو يقومون بتدريب المدراء يفتقدون هذا الربط بين ما يُدرسون وبين الذات السعودية. من هنا كثر التنظير غير الملائم لحاجات الشركات أو للوضع التنافسي في المملكة وكثر أيضاً الاستنساخ للكثير من البرامج التدريبية التي لا تفي باحتياجات الكثير من المتدربين، ولي مع تدريب المديرين التنفيذيين وقفة في المستقبل.
اليوم يوجد الكثير من كليات العلوم الإدارية والمعاهد المتخصصة وكذلك توجد الجمعية السعودية للإدارة التي يفترض أن تكون مجمعا للعلوم المنتجة وموجها لأجندة البحوث والدراسات الإدارية التي يفترض أن تهدف إلى فهم الذات السعودية الإدارية وتلبية احتياجات المنظمات والشركات الاستشارية والتدريبية والتطويرية. إلا أن إسهامات الجمعية السعودية للإدارة, وبعد أكثر من ربع قرن على تأسيسها, لا تزال متواضعة رغم دخلها المادي الكبير. اليوم يوجد بالمملكة الكثير من حملة شهادات الدكتوراة المتخصصين في الإدارة والاقتصاد ممن ركزت رسائلهم على مفهوم أو نظرية معينة طبقت في المملكة. إلا أن الكثير من هذه الرسائل لا تزال حبيسة مكتبات الملحقيات الثقافية ولم توجد آلية أو نظام للاستفادة منها ومن المؤسف من أن أصحاب هذه الرسائل لم يعملوا على نشرها في المجلات الأكاديمية العالمية والقليل منهم له حضور بحثي مستمر.
الحقيقة أن النموذج السعودي في الإدارة موجود ولكن لم يتم التعرف عليه ولم يتم التكاتف بين الباحثين السعوديين للربط بين بحوثهم لرسم صورة مباشرة عن الإدارة في السعودية. ليس المطلوب عقد مؤتمر أو مؤتمرات تغلب عليها الخطب والكلمات الخاوية بل نحتاج إلى خلق موسوعة تضم كل المفاهيم والمناهج الإدارية في الثقافة السعودية (باللغة العربية والإنجليزية) تكون أساسا للمشاريع البحثية المستقبلية وتساعد على التدريب للمديرين والتدريس في الجامعات. يجب أن تُكتب هذه الموسوعة بشكل فلسفي يُمكن من الفصل الدقيق بين هذه المفاهيم في الثقافة الإدارية السعودية وفي الثقافات الأخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي