ندوة مستقبل الاقتصاد الخليجي في ضوء الأزمة المالية
شاركت بورقة عمل في ندوة مستقبل الاقتصاد الخليجي في ضوء الأزمة المالية العالمية والتي عقدت في العاصمة العمانية (مسقط) الأسبوع الماضي. وقد أحسن المنظمون (الجمعية الاقتصادية العمانية و الجمعية الاقتصادية الخليجية) اختيار مكان عقد الندوة، حيث تستضيف مدينة مسقط يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين القمة الـ 29 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي. وبدا واضحا من البداية أن الجهات المنظمة أرادت باختيارها موضوع الأزمة المالية إرسال مجموعة أفكار وتوصيات للقادة نظرا لأهمية المسألة على مستقبل اقتصادات المنطقة.
ركزنا في ورقتنا على التداعيات قصيرة الأجل للأزمة على دول مجلس التعاون والتي تتمثل في: 1) تراجع أسعار النفط بسبب ضعف الطلب. 2) تأثر الموازنات العامة بسبب تدني الإيرادات النفطية. 3) النيل من المصروفات الحكومية نظرا لانخفاض مستويات الدخل. 4) تدني النمو الاقتصادي بسبب تقلص النفقات العامة والخاصة. 5) مطالبة دول الخليج بالمساهمة المالية في صندوق دولي لمساعدة الدول الأكثر تضررا. 6) هبوط حاد في مؤشرات أسواق المال. 7) شبه جمود لتداول العقارات نظرا لتصدع الثقة. 8) تسريح بعض العاملين في قطاع الخدمات المالية. 9) الحد من نمو التضخم. 10) تدني معدلات الفائدة.
تحرير القطاع المصرفي
كما تحدث في الندوة رئيس الجمعية الاقتصادية الخليجية الدكتور ناصر القعود، حيث أوضح بعض الأسباب الكامنة وراء الأزمة المالية وفي مقدمتها المبالغة في تحرير القطاع المصرفي أي إلغاء الرقابة الفعلية على المصارف الاستثمارية في الولايات المتحدة. وقد اتخذت السلطات المالية الأمريكية هذه الخطوة بحجة أن المصارف تعرف كيفية الحفاظ على مصالحها دونما رقابة خارجية. ويكمن السبب الآخر في قيام المصارف باستصدار مشتقات مالية ذات طبيعة معقدة حظيت بدعم مؤسسات التصنيف الائتماني رغم درجة خطورتها.
تعود جذور الأزمة إلى قيام مؤسسات استثمارية أمريكية بتقديم قروض لأفراد لا يتمتعون بملاءة مالية حسنة لكن لديهم الاستعداد لدفع نسب فوائد عالية وتحمل رسوما إدارية مكلفة. في المقابل، قدم الزبائن مساكنهم على شكل رهون عقارية مقابل القروض الممنوحة. بدورها قامت المؤسسات المالية المقدمة للقروض بتوريق (إصدار سندات مقابل القروض العقارية) وبيعها للمستثمرين المحليين والدوليين لغرض مضاعفة العائد. وهنا يكمن سر تورط عدة جهات عند حدوث أزمة الرهن العقاري.
أهمية دور الدولة
ولخصت الورقة تأثيرات الأزمة في اقتصادات دول الخليج بتراجع أسعار النفط (يشكل دخل القطاع النفطي نحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة) إضافة إلى تراجع إيرادات الصادرات غير النفطية وعوائد الاستثمارات في الخارج. بيد أنه لا يمكن إغفال بعض التطورات الإيجابية للأزمة من قبيل تراجع معدلات التضخم والفائدة.
بدوره دعا رئيس الجمعية الاقتصادية البحرينية الدكتور أحمد اليوشع, إلى تعزيز دور الدولة في الاقتصاد باعتبارها الضامن للعملية الاقتصادية. ورأى المتحدث أن الأزمة المالية الحالية تتميز عن سابقاتها لكونها دولية وغير مقتصرة على دولة أو إقليم كما كان الحال مع الأزمات المالية السابقة.
الصدمات السبع
إضافة إلى ذلك، شدد أمين عام مركز البحرين للدراسات والبحوث الدكتور عبد الله الصادق على أهمية تسريع وتيرة عملية التكامل الاقتصادي الخليجي كنوع من الاعتماد على النفس. ومن شأن التكامل الاقتصادي القضاء على ظاهرة قيام مشاريع مكررة في دول الخليج ما يشكل هدرا للثروات المحدودة أصلا.
أما مسك الختام فكان من نصيب أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتور وديع كابلي، إذ رأى أن الأزمة تسببت في بروز سبع صدمات لاقتصادات دول الخليج. ويبدو واضحا استفادة الدكتور كابلي من القصة المروية في القرآن الكريم عن سيدنا يوسف.
وتتمثل هذه الصدمات أولا في تراجع مستويات أداء أسواق المال في المنطقة بسبب ذعر المستثمرين ورغبتهم بيع الأصول التي في حوزتهم للاحتفاظ بالسيولة. والصدمة الثانية عبارة عن دني قيمة الدولار ما يشكل ضررا مباشرا لاقتصادات دول الخليج التي تربط عملاتها بالدولار الأمريكي (وبدرجة أقل الكويت، حيث تربط عملتها بسلة من العملات الصعبة). أما الصدمة الثالثة فمردها تأثر القطاع المصرفي بسبب شراء بعض المؤسسات المالية سندات أمريكية فقدت جانبا كبيرا من قيمتها فضلا عن تراجع النشاط المصرفي. والصدمة الرابعة هي التي أصابت العقارات حيث فقد القطاع العقاري بريقه دون سابق إنذار. أما الصدمة الخامسة فعبارة عن تراجع الطلب على خدمات السفر والسياحة، حيث يقوم الناس بالتخلص من رفاهية السفر زمن الشدة. والصدمة السادسة فهي التي أصابت القطاع النفطي كما تبين من تراجع السعر من نحو 147 إلى 35 دولارا للبرميل في غضون ستة أشهر. أما الصدمة السابعة والأخيرة فتعود إلى انخفاض مستويات الدخل الكلي للحكومات وبالتالي تدني مستويات الإنفاق.
ختاما: نتمنى أن ينتبه قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى أن فصول الأزمة لم تنته بل تفاقمت وباتت تهدد قطاعات أخرى مثل قطاع التأمين وقطاع التجزئة (بسبب مشكلة الطلب) أي بدأت تتحول من أزمة مالية إلى اقتصادية. نرى أن الحاجة ماسة إلى تبني خطط إنقاذ لأن التأخير سيؤدي حتما إلى زيادة فاتورة التدخل.