بساطة بهاء طاهر الصعبة!

عندما ذهبت إلى إحدى المكتبات التي يزورها عدد كبير من المثقفين دائماً في الرياض، طلبت من البائع أن يضع أعمال بهاء طاهر على طاولة المحاسبة، لأن هناك عدداً من القراء سيأتون للسؤال عنها.
لماذا الآن بالتحديد؟ لأنهم عرفوه بعد فوزه بالجوائز في الآونة الأخيرة، كجائزة البوكر العربية، وحصوله أيضاً أخيرا على جائزة "الزياتور" الإيطالية عن روايته "حب في المنفى" التي تمت ترجمتها إلى الإيطالية واختيرت كأجمل رواية وسجل اسم بهاء طاهر في تاريخ هذه الجائزة كأول عربي يحصل عليها.
في روايته (حب في المنفى) كتب عن مجزرة صبرا وشاتيلا الفلسطينية في لبنان التي حدثت عام 1982، انتهج فيها بهاء طاهر نهج النقد بالسخرية، فقد عرى واقع الحلم العربي، والذات العربية، ورصد خيبات تعلقات الجمهور، جاء عنوانها (حب في المنفى) ليصف التيه الذي كانت تعاني منه شخصيات الرواية في بحثها عن ذاتها لحظة انهزاميتها، وليسلط الضوء على مرحلة سياسية مر بها العرب إبان انتهاء حكم جمال عبد الناصر وبداية حكم أنور السادات في مصر، والمبادئ والأفكار التي تغيرت وتحولت بسبب مآلات وضع الفكر العربي الراهن بعد الأزمات، خاطب فيها الأديب الذات كي تعي مقدار الفشل والانسياق في أوهام الخسارة.
أما روايته (خالتي صفية والدير) التي حازت على جائزة "غيوسيبي تشيربي" الإيطالية عام 2000، كانت رواية جميلة ومؤثرة، فقد أحببت حكايات القرية والصعيد لديه، ويجيد بهاء طاهر باحتراف كيف يجعل القارئ يعيش الرواية بكل أحداثها.
على الرغم من بساطة الرواية إلا أنها لم تكن من النوع المباشر العادي، فقد كانت تحمل قيمة بعملة صعبة لا يقدر عليها سوى من يحترف قراءة احتياجات القارئ في بحثه عن نفسيات الشخصيات في العمل الروائي، والجدير بالذكر أيضاً أن روايته هذه قد تم تجسيدها إلى مسلسل مصري عام 1996م وكان من بطولة ممدوح عبد الحليم وبوسي.

في أثناء قراءتي لسيرة حياته التي أرفقها في مقدمة رواية خالتي صفية والدير، اكتشفت أن الأديب بهاء لم يعش حياة طفولة ولا شباب عادية، عاش حياة صقلت تجربته كثيراً حتى خرج بهذا الأدب الذي يشبهه الكثير بأدب الراحل نجيب محفوظ، فهو لم يكن فقط من قراء المنفلوطي والمتنبي وألف ليلة وليلة فقط منذ صغره، بل كان منذ مرحلته الجامعية ممن أسسوا جماعة أدبية تعنى بالقصة وتجديدها وتطويرها وكتاباتها، وكانت هناك روح منافسة بين المجموعة من أجل استحداث فن أدبي قصصي جميل، وقد عاشر في مرحلته تلك العديد من الأدباء والنقاد والفنانين وكان من ضمنهم الناقد الأدبي المصري رجاء النقاش.
من الظلم أن أقول إن أديباً كبهاء طاهر بحاجة إلى التفاتة منّا، والأصح أن أقول إن أديباً كبهاء نحن بحاجة إلى أن نتعلم منه الكثير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي