على بعد خطوات من نيمو

الابن غسان رفه من أبناء جدة ممن يعشقون بحرها والغوص في شواطئها ويحمل ترخيصا دوليا بالغوص هو وأخوه وأخواته فكلما أرادوا أن يمارسوا هواية الغوص والاستمتاع بأجمل ما خلق الله في هذا الكون يبحرون بعيدا عن شواطئ جدة إلى الحيد والجزر ليجدوا أجمل تشكيلات الشعب المرجانية على مستوى بحار العالم، يقول إن أحد المدربين السعوديين حثه على القيام برحلة غوص من كورنيش جدة وبالتحديد من أمام مجسم الشمس قال: فترددت مليا ليقيني أن كل ما سأجده الفئران والنفايات وعلب المشروبات وأكياس النايلون، إلا أنه وافق وهو على يقين بالكآبة التي ستصيبه بما جنت يد الإنسان على هذه الجنة العذراء وما أن غاصت قدماه حتى اصطدمت بفوارغ المشروبات وأكياس البلاستيك والعظام إلا أنه وعلى بعد أمتار قليلة من تلك المخلفات جاء الحيد بالعيد فوجد نفسه أمام لوحة ربانية مرجانية رائعة عمقها 30 مترا وعرضها يقرب من 40 مترا يجول فيها عالم حالم عجيب من عشرات الأسراب من أسماك الحريد والإمبراطوري والشفنين والمرقط الأزرق والتونة وأسراب من سمك المهرج أو ما نطلق عليه سمك النيمو الذي كتبت فيه عشرات القصص والأفلام، يقول: فحمدت الله أن البلدية لم تنشئ جسرا إلى ذلك الريف وألا قضت هذه اللوحة نحبها بالمخلفات التي سيلقيها الزائرون من على الجسر.
لقد تعرضت سواحلنا لمذبحة وهدر ثروة بيئية رائعة، إننا ننظر بحسرة إلى دول العالم من حولنا وهي تشرع وتسن القوانين وتنفذها لحماية شواطئها وبيئتها البحرية بينما نحن نهدر كنوزنا الفريدة بالصيد الجائر والعبث والمخلفات حيث إن بعض أصحاب المراسي يقومون باستخدام المسدسات الممنوعة في الحملات البحرية دون رادع يدمرون ثروة أمة تحت أنظار الجميع، دعونا نزور يا سادة إن شئتم شواطئنا لنرى ذلك التدمير الهائل الذي ألحقته الإنشاءات الأسمنتية والتجريف وما أحدثه الصرف الصحي من تدمير للمرجان، اقرأوا الصحف أيها السادة لتجدونا نفاخر على الملأ بالصيد الجائر المحرم فصحفنا تتسابق بغباء وعبط لأخذ صور الوافدين وهم يصيدون على رؤوس الأشهاد سمكة القرش الحوتي الذي لا يؤكل ولا يستفاد منه ولم يستح على الأقل من صاده فيحنطه لأجيالنا المقبلة، اذهبوا يا سادة إلى (بنقلة) جدة يوميا لتروا بأم أعينكم أن أسماك قرش الدراس وسمك أبو شراع وأسماك الطرباني تباع بتراب الفلوس بينما مثلها في بقية دول العالم تحميها القوانين والأنظمة والردع المطبق على الكبير والصغير، نحن نعيش في أفراح وليال ملاح لأننا نظفنا شواطئ جدة مما يقرب من طنين من أعمال السحر والتمائم والشعوذة بينما كان من الأولى تنظيف عقولنا وعقول أبنائنا وبناتنا ومن منحناه تأشيرة الدخول إلى هذا الوطن ليعلم أن هذه ثروة أمَّة ( بفتح الميم المشددة) وليست ثروة أمِّه (بضم الألف وكسر الميم المشددة)
إنني أحلم أن أجد بناتنا وأبناءنا غواصين وغواصات ومحافظين ومحافظات ما نعين ومانعات لهذا التدمير المستمر الذي نمارسه بينما تتمنى شعوب أخرى أن يكون لديها نصف متر مما نملك من ثروة بيئية بحرية، إنني أحلم أن أجد في كل ركن مدرسة لتعليم الغوص والسباحة والتجديف والقوارب الشراعية إنني أحلم أن أرى ألوان البحر والشعب المرجانية مرسومة على شواطئنا تعلمنا الحس بالفن واحترام الألوان، يا أيها السعوديون الله الله على بحركم فقريبا سيصبح بحرا ميتا وسيأتي عليكم اليوم الذي ستتمنون فيه نصف متر من تلك الخيرات يومها سينطبق عليكم المثل البلدي لأهل جدة "روح يا ناكر خيري بكرة تشوف زماني من زمان غيري" أحمدك ياربي أنني لا أجيد السباحة والغطس وإلا كنت مت من القهر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي